زوجة الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد تكشف المثير من منزلها بكندا

{“مصطفى” ظلم ظلماً شديداً في حياته.. ويوم وفاته عشت في كابوس
“مصطفى سيد أحمد” لم يكن شيوعياً في يوم ما.. كان تقدُّمياً ومنحازاً للشعب
ما شدني لـ”مصطفى” المعلومات الكثيرة والمعرفة الغزيرة.. كان عبارة عن موسوعة
تزوجت بطريقة تقليدية تعرّف على أسرتي عن طريق طرف ثالث وطلبني للزواج

كندا – محمد عثمان يوسف حبة
آخر مرة رأيت فيها الأستاذة “بثينة محمد زوجة” الفنان الراحل “مصطفى سيد أحمد”، وهي في الطريق داخل عربة اللواء “عبد الحي محجوب” برفقة ولديها “سامر” و”سيد أحمد”.. واللواء “عبد الحي” أحد الضباط الناجين من مجزرة بيت الضيافة في العام ١٩٧١ بعد انقلاب “هاشم العطا” وهو ابن حي السجانة.. وفي منطقة السجانة عاش “مصطفى سيد أحمد”، سنين طويلة من حياته الفنية الباكرة القصيرة.
كانت أول وآخر مرة رأيت فيها زوجة الراحل “بثينة محمد” برفقة ابنيهما وهي قادمة من الإسكندرية بينما كان جثمان الراحل المقيم محمولاً على أجنحة الحب واللفهة والترقب والانتظار لآلاف المستقبلين من جميع الأعمار والفئات العمرية، وكان ذلك وسط الحشود الكثيفة بمطار الخرطوم يوم 18/1/1996.
وبعد (22) عاماً من ذلك اللقاء أخبرني ابن أختي المقيم بمدينة هاميلتون بكندا أن نفس الحي الذي يسكن فيه يقطن به عدد كبير من المشاهير والنجوم السودانيين ومن بينهم السيدة “بثينة محمد” قرينة الفنان الراحل “مصطفى سيد أحمد”، فحملت أوراقي ويمّمت شطر منزلها للقائها، ولا تزال ثورة آخر لقاء بيننا تتراءى أمام ناظري كأن كل تلك السنوات لم تمر، اللقاء الأول والأخير في باحة مطار الخرطوم يوم الوداع الحزين.. فماذا قالت “بثينة محمد”، التي استقبلتنا بأريحية سودانية وكرم أصيل في دارها العامرة.
{ كيف كان اللقاء الأول بينك والفنان “مصطفى سيد أحمد”؟
_ اللقاء الأول بيني و”مصطفى سيد أحمد” كان في العام ١٩٨١ عندما سجلنا له زيارة في معهد الموسيقى والمسرح حيث كانت ترافقني في العربة شقيقتي “ماجدة” وصديقتي “هدى”.. وغيرهما من الصديقات المقربات.. لم نمكث طويلاً سلمته شريطاً فارغاً (كاسيت جديد) وطلبت منه أن يقوم بتسجيل بعض الأغاني عليه. وأذكر عندما سلمته الكاسيت لم يرفع رأسه تجاهنا مطلقاً.. ومن أكثر الأغاني التي عشقتها كمعجبة بالفنان “مصطفى” أغنية (الحزن النبيل) لـ”صلاح حاج سعيد” وأغنية (يا سر مكتوم في جوف أصداف) وقام بتسجيلهما في الكاسيت بالعود.
{ ثم ماذا بعد اللقاء الأول وتسجيل الكاسيت؟
_ بعد هذا اللقاء الأول سافرت إلى دولة قطر، حيث مكثت هناك حوالي ستة أشهُر مع أختي لظرف اجتماعي خاص وعدت إلى أرض الوطن ولكن لم يكن بيننا أي لقاءات غير التواصل عبر أعماله الفنية لأنني كنت وما زلت معجبة ومستمعة جيدة لأعماله المختلفة والتي تصل إلى (600) عمل غنائي.. وكنا نتابع حفلاته. وكنا نتكلم كأصدقاء لمدة عام تقريباً حول أعماله وأغانيه واختياراته ولكن لم يتطرق أو أشير إليه بأي نوع من العواطف أو الشعور الخاص.. ولم يكن بيننا أية إشارات حب.. كنا أصدقاء وأصحاب.. ولكن لا أخفي إعجابي والذي شدني إليه هو أخلاقه العالية وقمة التهذيب الذي ظهر أثناء حديثه أو في طريقة تعامله واحترامه للآخرين.. بل أكثر ما شدني وأدهشني فيه المعلومات الكثيرة والمعرفة الغزيرة التي كان يتمتع بها، هو كان عبارة عن موسوعة إذا فتح أي موضوع معرفي يتحدث إليك حديث العارف والحصيف.. بل كنت أجد كل الإجابات للأسئلة التي تدور في مخيلتي وهو يضيف إليك كل يوم شيئاً جديداً.
{ كيف تم الزواج بعد تلك الصداقة والمعرفة.. هل كان بطريقة سودانية تقليدية؟
_ طبعاً كان قد تعرف على أسرتي عن طريق صديق ثالث وطلبني رسمياً من أهلي وتم العقد في العام ١٩٨٥ ومراسم الزفاف والزواج كان في العام ١٩٨٦.. كل هذه الإجراءات تمت في منزل شقيقتي بامتداد الدرجة الثالثة وكان “مصطفى” يسكن مع أصدقائه في منطقة الديم.. تم الزواج ومكثنا في السودان إلى عام ١٩٨٩.. وبعدها سافر إلى موسكو في تلك الرحلة المؤلمة الحزينة…
{ (مقاطعة).. لماذا وصفتِها بالمؤلمة وكيف اكتشف “مصطفى” إصابته بمرض الفشل الكلوي؟
_ بعد برهة من صمت حزين وزفرة ألم بائن أبدتها الأستاذة “بثينة محمد” قالت.. في أحد الأيام وأثناء وجود “مصطفى” بمعهد الموسيقى والمسرح شعر بحالة من الإعياء والتعب الطارئ… كان ذلك في العام ١٩٨١.. واكتشف الأطباء في السودان أن لديه ضغط دم حاد بسبب مشاكل في الكلى وهو عيب خلقي، حيث توجد جيوب في كليته اليمنى.. ولكنه لم يكن يكترث كثيراً، لذلك واصل مسيرة عطائه الفني واللحني والإبداعي وحفلاته الكثيرة إلى أن سافر إلى روسيا لكي يطمئن أكثر على حالته الصحية ولحقت به بعد شهرين.. في موسكو هنالك أخبره الأطباء أن يعود إلى السودان ويأتي بعد شهرين لإجراء العملية التي كانت قد تقرّرت بالفعل.. وقد كان بالفعل.. وكان “سيد أحمد” و”سامر” قد ولدا وعمريهما دون الخامسة.
{ خلال اكتشافه المرض وبعد زواجكما وإنجابكما “سيد أحمد” و”سامر” هل أثر كل ذلك في مسيرة الفنان “مصطفى سيد أحمد” الفنية؟
_ كان ذلك أكبر دافع لمواصلة العطاء والمسيرة الفنية، بل بالعكس كلما كان يشعر بأي آلام كان يمسك العود ويعزف لحناً أو يؤدي أغنية أو يؤلف لحناً جديداً.. وعلى ما أذكر كان قد زارنا في المستشفى بموسكو الشاعر “بشرى الفاضل” وسلّم “مصطفى” نصين شعريين من بينهما أغنية (نفسي في داخلك أعاين وأروي روحي وأشوف منابعك).. بالمناسبة هو جاءنا في المنزل بهاميلتون قبيل شهور إبان وصوله الأراضي الكندية.. ولا أخفي عليكم سراً أن “مصطفى سيد أحمد” منذ بداياته حتى رحيله لم يتغير صوته وطبقاته وحنجرته إطلاقاً سبحان الله.. وذلك يعدّ ظاهرة غريبة لفنان مرّ بنفس ظروفه المرضية والمعاناة التي وجدها في حياته أيام مرضه.. وكان صوته في منتهى الجمال.
{ خلال الكم الهائل من الأصدقاء والصديقات في حياة “مصطفى” وهو الذي خلق تلك الحالة العجيبة والفريدة من الحب.. هل كانت تنتابك الغيرة وحب التملُّك بسبب الشهرة وإحاطته بالمعجبين والمعجبات في كل وقت وحيثما ذهب؟
{ (ضاحكة).. عاوزة أوريك أنا ما كنت بغير عليه، ليه؟؟ أنا ثقتي فيه كانت لا تحدها حدود مطلقاً، وأنا أكثر شخص عرف تهذيبه وأدبه وأخلاقه، فهو إنسان ملتزم وعلى خلق ومهذب بشكل لا تتخيله.. ويتمتع بأخلاق عالية مع كل الناس.. (ضحكت) قائلة: ما تنسى أصلاً أنا كنت معجبة به قبل كل شيء.. سبحان الله أي حاجة كانت تحصل في حياته الفنية خارج إطار الأسرة كان يخبرني ويشاورني فيها.. طبعاً كانت لديه معجبات أكيد.. كان عندما يمشي الحفلات مع الفرقة تأتي الفتيات والنساء، ويكتبن وريقات إعجاب.. وهكذا عندما يرجع البيت ليلاً من حفلاته يقول لي: (تعالي يا بثينة نقرأ أنا وإنت البنات كتبوا شنو).. وهذا نوع من الثقة المطلقة.. (وضحكت “بثينة” لبرهة بعد أن أسدلت ثوبها على رأسها كعادة سودانية جميلة تدل على الاحترام للآخر والحشمة للشخص نفسه).
{ ألم تلفت انتباهك أياً من تلك القصاصات؟
_ على ما أذكر أكثر حاجة غاظتني في أوراق المعجبات تلك كلام واحدة كاتباه.. (أنا لمن شفت الدبلة في يدك صدمت لكن ما مشكلة عزائي الوحيد أن الشرع حلل للراجل أربع نساء).. (هنا انفجر الحاضرون معي لهذا اللقاء، بمن فيهم الأستاذة بثينة في الضحك.. وقلت لها مداعباً: يعني الزولة كانت مصرة تكون ضرتك).
كنت أثق فيه ثقة عمياء، وأذكر عندما كانت تأتي مجموعة من البنات كزيارة لنا في المنزل كنت أحس بخوفهن ورعبهن من نظراتهن.. وكُنّ (كاشات).. فأقوم وأسلم عليهن وأكرمهن بالواجب السوداني وأقول لهن (خُشن الصالون سلمن على مصطفى.. يضحكن ويقلن لي نحن كنا خايفات منك تحرجينا).
{ هل كان “مصطفى” شيوعياً؟
_ بكل صراحة أخي “محمد عثمان”.. “مصطفى” كان فناناً منحازاً لكل فئات الشعب السوداني وطبقاته المختلفة ولكل قضاياه المصيرية.. الغلابة.. العمال.. الفلاحون.. كلات الموانئ وغيرهم.. “مصطفى” غنى للحبيبة والوطن.. وعبّر عن أحلام وتطلعات الشعب السوداني من خلال شعراء جدد عبروا عن مكنون الأمة السودانية كلها.. و”مصطفى” أتى للساحة الفنية بشعراء غير معروفين وتجربة متفردة عبرت خارج حدود الوطن.. لكن المصيبة أن هنالك أناساً أدلجوا وأطروا غناء “مصطفى سيد أحمد” لذلك اختلف الناس حوله.. بالرغم من أنه لم يكن شيوعياً بل كان تقدُّمياً في أفكاره ورؤاه ينحاز للشعب السوداني.. وإنساناً رائعاً مهذباً محبوباً لدى الجميع.. ذا أخلاق ومبادئ ومُثُل يعبّر خلال فنّه عن تطلعات وأحلام أبناء وبنات الوطن.. لذلك بادلوه ذلك الحب حتى بعد رحيله.

%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89 2

{“مصطفى” ظلم ظلماً شديداً في حياته.. ويوم وفاته عشت في كابوس

{ أعمل على مشروع فني قادم لأغنيات مسجلة بالعود لم تذع من قبل
{ الناس ممكن تغني أغاني “مصطفى” فهو ملك للكل لكن يغضبني التشويه والمتاجرة والتكسب المادي
{يومياً ولمدة ثمان ساعات استمع لصوت “مصطفى” خاصة أغنيتي (الحزن النبيل) و(يا سر مكتوم).
تورنتو ـ هاملتون ـ كندا : محمد عثمان يوسف (حبة)
{ هل أثر رحيل “مصطفى”، في معجبيه والمهتمين بفنه؟
إطلاقا، فخلال كل زيارة سنوية أقوم بها إلى أرض الوطن، يزداد عدد عشاق ومعجبيه من روابط وطلاب وأجيال ولدت بعد رحيله.. جميعهم يأتون إلى البيت، بالرغم من أنهم لم يتواصلوا مع “مصطفى” من قبل، ولم يشاهدونه قط، هذه الأجيال العشرينية تحتفي “بمصطفى” من خلال أعماله الفنية.. فلم يذكر “مصطفى سيد أحمد” إلا وذكرت الأشياء الجميلة والأخلاق النبيلة.. لم يختلف عليه الناس أبدا.. بل هو الفنان السوداني الوحيد الذي اجمع على حبه كل ألوان الطيف السياسي في اليسار واليمين والوسط، والمجتمع بمختلف فئاته وطبقاته وميوله وجماعاته.
..{ليس شيوعياً كما أسلفتي، فهل كان أقرب إلى اليسار؟
كان أقرب لليسار حسب اعتقاد البعض، ربما لأن معظم أن لم يكن كل الشعراء الذي تغنى بقصائدهم ينتمون لتلك المدرسة السياسية.
{ كيف كانت الأيام الأخيرة في حياة “مصطفى”؟
الأيام الأخيرة في حياة “مصطفى” كانت في الدوحة (وهنا صمتت قليلا ثم واصلت حديثها بحرقة وألم بائن) الحمد لله من رحمة ربنا بي أنني كنت بعيدة في الإسكندرية مع “سيد أحمد وسامر” لأنهم كانوا منتظمين في الدراسة “سيد أحمد” كان في سنة خامسة و”سامر” في سنة رابعة، وكان الاتصال بيننا ومصطفى يومياً.. لكي يطمئنني عن أحواله.

{هل كان الحديث بينكما مجرد اطمئنان برب الأسرة الذي يعاني من مشاكل صحية؟
بالمناسبة نحن كنا أصحاب قبل أن نكون أزواجا، وكان يستشيرني في كل تفاصيل حياته اليومية الصغيرة.. بل كان يسمعني ويستشيرني عبر الهاتف حول تلك الأعمال التي أنتجها في الدوحة إبان فترة مرضه.. وأذكر عندما أعطى الفنان الشاب “خالد الصحافة” بعض الأعمال قلت له.. يا “مصطفى” أنت الأغاني دي بتغنيها بطريقة جميلة، قال لي يا “بثينة” أنا لازم أقيف مع الفنانين الشباب وأنا مؤمن تماماً بفكرة تواصل الأجيال.. ومساعدتهم حتى يستلموا الراية من بعدنا.
{..كيف كانت بداياته خاصة وأنه قدم مدرسة جديدة للغناء؟
حورب في بداياته كان يريد أن يمهد الطريق ويمد يد العون لكل الفنانين من بعدهم..
{كيف تلقيتي خبر وفاة “مصطفى سيد أحمد” في تلك اللحظات، وأنت في الإسكندرية؟
ـ أطرقت للحظات وصمتت لبرهةــ: أنا اليوم داك زي كنت في كابوس وما كنت متخيلة في يوم من الأيام.. أن “مصطفى” يمشي أو يسافر مننا وما يرجع تاني .. أو يموت.. استغفر الله العظيم.. ولم أتخيل كل ذلك السيناريو من المرض والأحداث التي صاحبت مرضه وأيامه الأخيرة ما بين موسكو والقاهرة والدوحة.

..وفي القاهرة حدث خطأ من طبيب بعد أن أجرى “مصطفى” العملية في موسكو.. وأحداث الدوحة وغيرها.. بحس كل هذه اللحظات والأيام كأنها كابوس وحلم مزعج.
{كيف تكيفتي مع فكرة الرحيل؟
لن أذيع ليك سراً إذا قلت لك أنا ليوم الليلة بتكلم مع “مصطفى سيد أحمد” في أحلامي.. ويقظتي.. وأنا ليوم الليلة.. مش عدت (٢٢) سنة.. بتخيل “مصطفى” يجيء، طالع في أي وقت من الأوقات وأقوم اتكلم معاه واحكي ليهو عن الحاجات البتضايقني.. وهو كثيرا ما يزورني بصورة شبه يومية في الأحلام.. ويتكلم معاي ويوصيني ويجيب سيرة الأولاد.. لأنه كان بحبهم حب خيالي..
{ “مصطفى” خلق حالة من الحُب والأجواء، بينه وبين الشعراء الذين غنى لهم، وفرقته ووسطه الفني هل كان ذلك الأمر مصادفة أم أنه كان بترتيب؟
“مصطفى” كان مؤمناً بتجارب الشعراء الشباب ..والحداثة الشعرية في ذلك الوقت.. لذلك لم يتغن إلا في بداياته لشعراء، معروفين ثم واصل في استكشاف عوالمه الخاصة ومفرداته.. وكان لديه شيء معين إذا لم يحس بالعمل الشعري أو القصيدة لا يقدم مطلقا على وضع أي لحن لها.
{ هل هناك أعمال شعرية لم يلتفت لها؟
لا أذيع لك سرا.. هنالك العشرات بل المئات من القصائد والأعمال الشعرية والدفاتر والأوراق التي كانت بطرفه، ولكنها لم تحرك فيه ملكة التلحين ولم يقم بوضع اللمسات اللحنية لها لأنها كانت دون المستوى.. حسب تقييمه.. ولم يحس بها لذا لم ترَ النور.
ماذا حصل في حياة “بثينة وسيد أحمد وسامر” بعد رحيل “مصطفى سيد أحمد” وأين ذهبت وكيف عشتم؟
بعد وفاة “مصطفى” ووصول الجثمان حضرنا إلى السودان ومراسم التشييع والدفن (بود سلفاب) التي مكثنا بها عشرين يوماً .. ثم عدت إلى بيت شقيقتي (ماجدة) بامتداد الدرجة الثالثة وقضيت فترة الحبس والحداد ثم بعد سنتين رجعنا الإسكندرية وكان ذلك في العام ١٩٩٨.لكي يكمل الأولاد المراحل التعليمية التي عشت فيها سنوات حزينة.. ثم هاجرنا إلى كندا عن طريق شقيقي “حسن” له الرحمة والمغفرة وشقيقتي اللذين كانا يعيشان في مدينة لندن.. أونتاريو.. التي مكثنا بها عدة سنوات ثم رحلنا وانتقلنا إلى مدينة هاملتون.. التي نقيم بها حاليا.. وكندا بلد جميل جدا ..وبها ميزات لا توجد حتى في انجلترا ولا أمريكا خاصة من ناحية الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والعلاج والتعليم المجاني.. وكندا بلد تحترم الإنسان بمعنى الكلمة ونحن مرتاحين والحمد لله.. ولكن الغربة حارة جدا.. مهما كانت المغريات.. والأولاد واصلوا مسيرتهم التعليمية الجامعية وما شاء الله “سامر” تزوج و”سيد أحمد” لسه إن شاء الله قريباً ..ودوما نشتاق للأهل في السودان ود سلفاب أسرة “مصطفى” إخوانه وأخواته ورحم الله من توفي منهم وتحياتي وأشواقي للأحياء، منهم عبر هذا الحوار.. وكذلك لأفراد أسرتي وشقيقاتي وأبنائهم وبناتهم جميعا.. ونحن لم نقطع عن الوطن وسنويا نزور السودان.. والحمد لله ..ونحن شعب حنين..
{ متى تعودون إلى السودان؟
إذا كنت اضمن مستقبل أولادي في السودان لقررت العودة نهائيا اليوم قبل الغد ..ولكن الأوضاع لا تسمح بذلك..!!!..
{..ماذا تبقى من عطر الصبابة الما انسكب من “مصطفى سيد أحمد” في ذاكرتك.. وفي هذا المنزل وحياة “بثينة” والأولاد.. وإني أرى صورة أسود وأبيض معلقة على الجدار؟

روح “مصطفى سيد أحمد” تحلق في جميع أركان هذا المنزل، الذي تشرفتم بزيارتنا فيه.. وعلى فكرة (سامر) طالع رسام.. مثل أبيه.. و”مصطفى” كان يعشق الرسم ولديه لوحات كثيرة وكذلك ابننا “سامر” ..فهو يعشق الفنون والرسم كثيرا .. أما الابن “سيد أحمد” فهو أخذ من أبيه صفة الهدوء الشديد والتأمل والاستغراق، وهو حنين جدا ..وفيه حاجات كتيرة من “مصطفى” ولو عاين لي في وشي ساكت يسألني مالك يا ماما؟ ولو قلت ليهو زعلانة منك طوالي ببكي دمعتو قريبة زي “مصطفى” كانت تبكيه أبسط الأشياء.. الله يرحمه ولا أذيع لك سرا إذا قلت لك يوميا أنا بستمع لصوت “مصطفى” حوالي ثماني ساعات في كل أغنياته وبخاصة (الحزن النبيل).. و(يا سر مكتوم)..
طيب أستاذة “بثينة” بمناسبة أغنيات الراحل ماذا تقولين لشركات الإنتاج الفني والشباب الذين يرددون أغنياته بطريقة غير لائقة؟
الناس ممكن تغني غناء “مصطفى سيد أحمد”.. فهو ملك لكل الناس.. لكن اغضب كثيرا عندما يشوهون أغنياته ويتاجرون بها بل يستنزفونها ماديا.. ولا اقبل بتشويه تجربته المتفردة.. والناس إذا عاوزين يغنوا غناء “مصطفى” يغنوه بنفس الطريقة بتاعتو.. يعني بنفس الصورة وما يشوهو.. وأنا ما عاوزة اذكر أسماء بعينها وهي عارفة نفسها وشوهت في الآونة الأخيرة غناء “مصطفى”.. ونحن ومازال الحديث “لبثينة”.. وطبعا ما بنحب نحرج الناس..
{طيب أستاذة “بثينة” هل تعتقدين أن “مصطفى سيد أحمد” حاقه الظلم من شركات الإنتاج الفني وبعض الجهات بدون ذكر أسماء والأمر متروك ليك في الأول والأخير؟
على فكرة ظلم ظلما شديدا في حاجات كتيرة جدا خلال حياته.. ليس في موضوع شركات الإنتاج الفني وحدها ولا الإذاعة والتلفزيون.. ولكن العزاء الوحيد أن الناس لغاية يوم الليلة تسمع في غناه جيلا بعد جيل وبلا انقطاع.. مصداقا لكلامي هذا عندما رجعت السودان في شهر أبريل الماضي ..هل تصدق أن هنالك روابط وجمعيات أدبية وثقافية وطلاب وكمية من الشباب والشابات من الجيل الجديد أعمارهم لم تتجاوز العشرينات وولدوا بعد وفاة مصطفى.. هل تصدق أنهم مازالوا يحفظون ويرددون أغنياته وتجربته.. وكانوا يسجلون لي زيارات في البيت وعاوزين يعرفوا كل يوم شيئا جديدا عن حياته ..وهذه في حد ذاتها محمدة بأن الأجيال الجديدة واللاحقة تحفظ أغنياته.. وأعماله وتواصل في ذلك المشوار.. وهذا يدل على الصدق الفني والتجويد والتعب خلال مسيرته..
{هل هنالك أغنيات “لمصطفى سيد أحمد” لم نسمعها بعد ولم تعرف لدى الناس والمتلقي؟

نعم هنالك عشرات الأغنيات التي لم تر النور بعد.. ولم تغن في حياته وتظهر لعامة الناس.. وهو كان غزير الإنتاج الفني والإبداعي واللحني.. برغم ظروفه المرضية القاسية.. وأغلب تلك الأعمال والأغنيات وهي بالعود.. ولدى مشروع فني قادم لا بد من تنفيذه.. ستطرح في وقتها إن شاء الله.. وفي الختام تقول “بثينة” رسالة لشركات الإنتاج الفني.. أن هنالك بعض الأشخاص ظلموا مصطفى حيا وميتا.. وتغولوا على حقوقنا وحقوق أبنائه.. وهي ذكرت لي تلك الشركات ولكنها طلبت حجب أسمائها.. حفظا للوداد زمنا صعب.. وتمنت أن ترد هذه الشركات والجهات والشخصيات الحقوق لأهلها من باب الوفاء للراحل المقيم “مصطفى سيد أحمد” الذي جمل وجدان الشعب السوداني وإكراماً لروحه الطاهرة وسيرته العطرة..

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.