سبب إعجاب العرب بالمشير سوار الذهب !!؟؟

أثناء زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لمعرض زراعي في باريس اجتمع عدد من المزارعين الفرنسيين حول الرئيس الفرنسي

وعبروا عن غضبهم بسبب منع مبيد حشري نسبة لضرره على الإنسان وكان التعبير بكثير من عبارات الاستهجان في وجه الرئيس الذى بدا عليه الغضب وصاح في وجه أحد المزارعين المعترضين: وقال وهو غاضب:”أنا الرئيس المسئول سيقول لي الناس يوما إنك كنت على دراية باستعمال هذا المبيد ولم تحرك ساكنا بينما أنت هنا تطلق الصفارات وتتحدث وأنت تنظر لي العين بالعين” .
فرد عليه المزارع : “أيها الرئيس تكلم معي بأدب نحن في بلدنا”.
وإنتشر هذا الفلم في كثير من مواقع التواصل وكان قصد المزارع بهذه الجملة أنه مواطن فرنسي ومن حقه أن يعبّر عن غضبه في وجه رئيس الجمهورية طبعا لو حدث ذلك في بلد نظامه إستبدادي ستقبض الشرطة على هذا المزارع فورا وسيتعرض لتعذيب بشع حتى يعترف أنه عميل لمخابرات أجنبية ثم سيحال للمحاكمة تشمل إهانة رئيس الجمهورية ومحاولة إسقاط الدولة وقلب نظام الحكم بالإضافة إلى زعزعة الاستقرار للدولة.
وتابعت بعض التعليقات على هذا الفلم خاصة لمواطني الدول ذات الأنظمة الإستبدادية : والغالبية أعجبوا بهذا المزارع كما أعجبوا بسوار الذهب تماما وأجمعوا على أن المزارع الفرنسي تصرف بهذه الشجاعة لأنه يعلم أن ماكرون رئيس ديمقراطي منتخب لن يعتقله ولن يؤذيه لكن لا أحد سأل هذا السؤال : لمن يعود فضل الديمقراطية ؟ فضل الديمقراطية يعود للمواطن وليس لرئيس الجمهورية والأوربيون عانوا الكثير مع الأنظمة الإستبدادية السابقة وضحوا وماتوا ودفعوا الثمن لأجل الديمقراطية التي يستمتعون بها اليوم ما قام به المزارع الفرنسي ليس عملا إستثنائيا فالإنسان في الدولة الديمقراطية يستطيع أن يقاضي الدولة ويعتبر الرئيس موظف دولة عادي وليس أبو للشعب كما لا يستطيع الرئيس أن يخرق الدستور ولا يستطيع أن يفصّل القانون بمزاجهلذلك ما قام به سوار الذهب ليس عملا إستثنائيا ولا عمل بطوليا فهو عمل طبيعي في بلد كانت تحكمه الديمقراطية (قبل إنتكاسة الإنقاذ) فكان عبارة عن موظف في الدولة يلتزم بالقانون الذي وضعته له إنتفاضة 1985 هو تسليم السلطة بعد فترة إنتقالية مدتها سنة واحدة وكانت هناك نقابات فاعلة وإتحادات طلاب موجودة وكان إتحاد طلاب جامعة الخرطوم وحده قادر على إسقاط النظام ونقابة الأطباء ونقابة المحامين ونقابة الصحفيين ونقابة عمال السودان ونقابة المعلمين كانت كلها فاعلة ونشطة وجاهزة للعصيان الذي أتى بسوار الدهب وأزاح نظام نميري الدكتاتوري المستبد والذي جلس على صدور الناس أكثر من خمسة عشر عاما بالحديد والنار .. ففي حال لم يوف الجيش بوعده بتسليم السلطة للشعب بعد سنة واحدة الشعب كان قادر على إنتزاعها والمجلس العسكري يدرك هذه الحقيقة لذلك المجلس العسكري بقيادة سوار الذهب لم يغامر … إذاً الفضل في تسليم السلطة يرجع للشعب وليس لسوار الذهب لأن الشعب هو من أتى به للسلطة . وهذه هي ميزة الديمقراطية فالقانون هو الذي يحكم بين الدولة والمواطن . والذي لا يعرفه المعجبون بسوار الدهب حتى لو راودته نفسه بالإستمرار في الحكم لن يستطيع ولكي يعلم المعجبون به أيضا لو كتب له أن يخوض إنتخابات بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية قد لا يفوز لأشياء يعرفها كل عاقل
النموذج الذي يستحق التقدير والإعجاب فعلا هو الرئيس الجنوب الأفريقي مانديلا مثلا الذي رفض أن يرشح نفسه فترة رئاسية مرة أخرى حتى يعطي الفرصة لأجيال جديدة تلعب دورها السياسي . وبحكم التاريخ يستطيع مانديلا أن يبقى حاكما لجنوب أفريقيا طوال حياته لأنه دفع شباب عمره من أجل قضايا وطنه وشعبه وقضى في السجن ما يقرب من ثلاثين عاما وذاق كل ألوان العذاب البدني والإنساني والنفسي وكان وفيا لقضاياه فلم يخدم مانديلا مع دكتاتور ولم يكن في يوم من الأيام وزيرا للدفاع لرئيس مستبد منعم ومدلل في وظيفته ونيشاناته ويتحصل على كل الإمتيازات والحوافز المحروم منها الشعب والبقية الأخرى في السجون ولم يصح إلا بعد أن أفاقه الشعب .ولو أن مانديلا رغب أن يبقى طوال حياته في الحكم فلن يعارضه أحد ولن يكون ذلك بإنقلاب عسكري أو دبابة تجتاح القصر الجمهوري وذلك سيكون بحكم المشاعر العميقة التي ربطت بين الرجل وشعبه أن رصيد مانديلا يعطيه الحق أن يجلس على كرسي السلطة عشرات السنين فهو رصيد مناضل دفع لوطنه ثمنا غاليا .. ورغم ذلك أعلن الرجل أنه لن يبقى في السلطة غير فترة رئاسية واحدة .
النموذج الآخر : في عام 1968 ترك الرئيس الفرنسي ديجول قصر الأليزية أمام مظاهرات الطلبة وكان الرجل بحكم تاريخه يستطيع أن يبقى في الحكم طوال حياته بحكم مكانته عند الفرنسيين ولقد سميت أكبر المعالم في الدولة بإسمه وحتى الآن لم يغيروها تعظيما لهذا الرجل كمطار ديجول ومحطة المترو الكبرى بإسمه ويعتبر الأب الروحي لفرنسا وصانع إستقلالها وتاريخها الحديث لكنه فضل أن يرحل حتى لو كان الرافضون له شبابا صغيرا في عمر الزهور .

لكن عالمنا العربي يعتبر سوار الذهب نموذج لم يأت التاريخ بمثله وسيذكره التاريخ العربي بأنه نموذجا مشرفا لحاكم ترك المنصب راضيا وقانعا ولكن هؤلاء المغرمون به لم يتحدثوا عن الديمقراطية هي التي منعته أن يواصل في المنصب وهؤلاء المعجبون كل الذي يدور في عقولهم أن رئيسا في العالم الثالث ترك المنصب طائعا مختارا ولهم الحق بالإعجاب به لأن في دول العالم الثالث هواية عجيبة هي الإستمرار في المنصب فالرئيس يستمر في رئاسته عشرات السنيين تحت أي ظروف ويجلس الوزير على كرسيه عشرين سنة وربما أكثر , ويجلس المدير في مكتبه نصف قرن وتدور عجلة الأحداث والزمن والكل جالس على أنفاس الكل .. مثل لاعب الكرة الذي يصر على اللعب رغم أن الفريق مهزوم والجماهير تلقي عليه الحجارة وعليه أن يترك الملاعب فورا ..
ومن أسوأ الأشياء أن يبقى الممثل يؤدي دوره بعد إسدال الستار وخروج المتفرجين وإطفاء أنوار الصالة .

الراكوبه

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.