“النول الثقافي”.. محاولة لإنقاذ أزياء السودان

الكل هنا يبدي زينته ولا يخفيها، في محاولة لإنقاذ الأزياء السودانية من الاندثار، وتحويلها من منتج ثقافي وإبداعي إلى منتج ينافس صيحات “الموضة” العالمية، ويمزق فاتورة لاستيراد ملابس تقدر بنحو 389 مليون دولار.

احتفى مسؤولون في الحكومة السودانية ومنظمات مجتمع مدني بتدشين “جماعة النول الثقافي للأزياء السودانية” بالخرطوم أمس السبت، وسط آمال بأن تعيد المجموعة الألق القديم لأزياء تعبر عن القبائل والمجموعات السكانية بالبلاد.

الأمين العام للجماعة “نهى حسب الرسول” تشرح للجزيرة نت مغزى اسم “النول”، قائلة إنهم أرادوا الارتباط بإحدى الأدوات القديمة التي كانت تستخدم في غزل القطن بشمال السودان.

وتحلم نهى بأن تتمكن الأزياء السودانية من الخروج من المحلية بكل ملحقاتها من “الإكسسوارات” والأحذية، عبر فتح أسواق التصدير لتنافس عالميا بجودتها وتميزها. وسبق لنهى أن نظمت معارض للأزياء السودانية في القاهرة وأسوان، وهي تعمل على تلبية دعوة أخرى في جدة بالسعودية.
نهى تحلم بأن تتمكن الأزياء السودانية من الخروج من المحلية لتنافس عالميا (الجزيرة)

وتقول -وهي منهمكة في ترتيب معرضها قبيل التدشين- “إن المحافظة على أزياء الرجال والنساء في بلد به مئات القبائل ومحاولة تطويرها مهمة صعبة، لأننا نتحدث عن هوية شعب؛ نحتاج لشراكات من مؤسسات الدولة والبنوك والمجتمع المدني وأصحاب التخصص، فالاهتمام بالتراث السوداني مسؤولية الجميع”.

أبعاد اقتصادية
ويمنح محمد عبد الرحمن همشري نائب رئيس جماعة النول الثقافي الدولة مبررات اقتصادية حتى تسارع للاهتمام بالزي السوداني، الذي ربما ساعدها في إقالة عثرة الاقتصاد.

وتصل نسبة واردات السودان من الملابس إلى نحو 3.5% من مجمل الواردات، وهو ما يساوي 389 مليون دولار، بحسب همشري، الذي يقول إنه “يمكن عبر الفن والإبداع ومبادرة جماعة النول الثقافي خفض هذا المبلغ تدريجيا عن طريق تعزيز المنتج المحلي”.

ويرى همشري أن تطوير الأزياء المحلية يحتاج إلى تناغم من مؤسسات الدولة والفنانين والإعلاميين والتقنيين والقطاع الخاص، ويبدو أكثر ثقة في أن حل المشكلة الاقتصادية ربما كانت واحدة من أدوات الثقافة والإبداع والفكر، وهو ما يحتاج إلى قطاع خاص جريء.

ولا يرى همشري غضاضة في إحياء أدوات الغزل والنسيج القديمة مثل “النول” و”الموترار” و”الحاحاية” في مناطقها التي اشتهرت بها في شندي والمتمة ورفاعة وبعض مناطق النيل الأبيض، لإنتاج أقمشة الدمور والفردة والقنجة للتسويق السياحي مع تزيينها “بموتينقات” و”أيقونات” مستوحاة من الحضارة الكوشية.

هوية مهددة
بيد أن رئيسة الجماعة زينب أحمد عبد الله صالح تعبر عن خوفها من اندثار الأزياء المحلية بسبب غياب منظومة تعمل على ترسيخ وتطوير الأزياء السودانية.

وتبدي زينب -التي تعمل عميدة لكلية الموسيقى والدراما قسم الأزياء بجامعة السودان- استغرابها من سماح قنوات فضائية لنجوم مجتمع بالظهور على شاشاتها وهم يرتدون جلبابا بألوان داكنة تعبر عن غرب أفريقيا أو مناطق أخرى.

وتقول “اختار السودانيون منذ القدم بالفطرة اللون الأبيض ومشتقاته، الرمادي والبيج، لأنه يناسب الجو الحار والبيئة المحلية”.

وتخشى زينب من محاولات طمس الهوية السودانية؛ مما يتطلب تعريف الأجيال الحالية والقادمة بموروثات الأزياء، مع ابتكار محاولات جادة ومدروسة لتطويرها عن طريق الخامات الجديدة و”الإكسسوار” الجاذب لتنافس الموضة والعصر من دون تشويه خصائص الزي السوداني.

تحدي التطوير
ويقول عضو الجماعة خالد عثمان إن التحدي الحقيقي الذي يواجههم هو تطوير الأزياء الوطنية من دون المساس بسمتها العام. ورغم اعترافه بأن الشباب باتوا يميلون للأزياء الغربية، فإنه يؤكد أن الأزياء السودانية ما زالت هي الطاغية في المناسبات الاجتماعية والدينية.

وخصص معرض جماعة النول الثقافي عرضا خاصا للعطور أشرفت عليه ابتسام الهادي، التي تقول إنه رغم ارتفاع تكلفة العطور الشعبية “الدلكة والخمرة والبخور” فإنها ما تزال مطلوبة بشدة.

وفي جانب آخر من المعرض، ينهمك الشقيقان السميدع وصفية سر الختم في ترتيب مشغولات يدوية من حقائب الجلد النسائية وتصاميم على “المرايا”، ويقولان إن ما ينجزانه مكمل لزينة الثوب السوداني.

وحظي تدشين جماعة النول الثقافي للأزياء السودانية بتعهدات تنفيذية وتشريعية لرعاية نشاط الجماعة في إحياء وتطوير الزي السوداني بمختلف تنوعه.

ويأمل الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون أن تعمل الجماعة على تحويل المنتج الثقافي المتمثل في الأزياء إلى منتج اقتصادي يدر دخلا على البلاد ويحفظ هويتها.

المصدر : الجزيرة – أحمد فضل-الخرطوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.