الرهائن المحتجزين بليبيا.. أسرهم يغالبون الدموع ويروون مأساة أبنائهم

تحولت الحياة في ليبيا بالنسبة للمواطنين السودانيين إلى جحيم لا يطاق، وأصبح حالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، إذ أن أغلب الشباب هربوا إلى هناك بحثاً عن أوضاع أفضل، ولكن بعضهم تفاجأ بأشياء لم تكن في حسبانهم جعلتهم في دوامة معاناة، وأوضاع أقل ما يمكن أن توصف بالمأساوية وغير الإنسانية، حيث وقع بعضهم من الذين يسعون للهجرة غير الشرعية إلى أوربا ضحية في أيدي عصابات تجار البشر، الذين يطلبون فدية بمبالغ طائلة ويمارسون التعذيب كوسيلة ضغط للاستجابة لمطالبهم.

أمر مختلف:
ولكن يبدو أن الوضع هنا مختلف تماماً عن تلك الأساليب، ويظهر جلياً أن هناك قضية تأخذ طابعاً سياسياً غير معتادة عليه.
وفي الفترة الماضية تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر عدد 7 من الرهائن السودانيين، وهم يسيرون في منطقة صحراوية مقيدين بالسلاسل، تحت حراسة مسلحين، وهم يستنجدون برئيس الجمهورية لإطلاق سراحهم، ويذكرون فيه أسمائهم والمناطق التي ينتمون إليها بولاية الجزيرة، ويلومون القنصل السوداني بطرابلس لعدم الاستجابة لاتصالاتهم في بادئ الأمر، المقطع كان محل تشكيك لرواد المواقع، وذلك لأن الخاطفين لم يطلبوا أي فدية مقابل إطلاق سراح المحتجزين، وبعد مضي أسبوع نشر الخاطفون مقطعاً آخر للرهائن السبعة مع إضافة آخر وهم يتعرضون فيه للجلد على أيدي خاطفيهم، فضلاً عن إجبارهم على الركض في الكثبان الرملية، مع إطلاق زخات من الأعيرة النارية، كما شكا أحد الرهائن من تعرضهم للضرب والإهانة والبرد القارص في تلك الصحراء، وناشد أحد الخاطفين، ويدعى محمد عبد الباقي مرجي، في الفيديو الحكومة السودانية بسرعة التدخل، وخصص نداءه لأحد ضباط جهاز الأمن والمخابرات قال: إنه مسؤول عن الملف السوداني الليبي.
مأساة الأسر:
الرهائن الثمانية المحتجزون حسب ما ذكروا أسماءهم في مقطع الفيديو هم: محمد عبد الباقي مرجي قرية أم حجار المكاشفي محلية الجاموسي، قصي النور علي آدم أم حجار المكاشفي، عابدين عباس محمد موسى قرية الياس محلية المناقل، بلال الطريفي سراج حلة بشير محلية 24 القرشي، سيف الدين محمد بدوي قرية أم دغينة الركابية، حمزة الفضل قرية الشويرف، بابكر عبد المطلب كوكو قرشي قرية غنيوة محلية القرشي، يوسف المسلمي قرية الشويرف.
الصحيفة تواصلت مع ذويهم ورسموا صورة مأساوية لأسرهم الذين وقع عليهم الخبر كالصاعقة، وانقلبت أوضاعهم، وخيم الحزن على القرى التي ينتمى إليها الرهائن بمحليتي 24 القرشي والمناقل.
محنة قرية إلياس:
وفي قرية الياس التي ينتمي إليها عابدين الياس، وهو أصغر الرهائن سناً، ويبلغ من العمر 18 عاماً، وقرر الاغتراب في العام 2016 لمساعدة شقيقه الأكبر في مسؤولية الأسرة.
ويروي شقيقه علي الياس للصحيفة تفاصيل تلقيهم خبر اختطاف عابدين، قائلاً أنهم تلقوا الخبر من رفقائه بالعمل في منطقة سبها في الجنوب الليبي، قبل أسبوع من بث مقطع الفيديو على المواقع، وقال بعد نشر الفيديو توجهنا للخرطوم والتقينا بمسؤولين بوزارة الخارجية والمجلس الوطني، ووعدونا بتحريرهم ويمضي قائلاً: زاد قلقنا وخوفنا عليهم بعد أن ظهر الفيديو الثاني، الذي أظهر تعرضهم للتعذيب والضرب، يؤكدون من خلاله أن حل مشكلتهم بيد مسؤول الملف السوداني الليبي بجهاز الأمن والمخابرات الوطني.. وأشار إلى أن الأمر مرتبط بقضية المتهم بقضية شقة شمبات وهم يساومون به.
حزن عميق:
وحول وضع الأسرة بعد تلقي خبر احتجاز عابدين رسم شقيقه صورة مأساوية حزينة لحالها، وقال: إن الحزن خيّم على كل القرية، وأن والديه في حالة يرثى لها، ولم يذوقا طعم النوم ولا الأكل منذ ذلك اليوم، وناشد الحكومة بالإسراع في فك أسر أبنائهم لأن وضعهم غير مطمئن.
أما خال عابدين محمد الأمين الذي ساعدنا في الوصول إلى أسر المحتجزين، أكد أن كافة المحتجزين من أسر كبيرة ويعتمدون عليهم في مصاريفهم.
إحساس الوالد:
ومن قرية الحجير المكاشفي غرب المناقل تواصلت مع النور أحمد النور والد قضي، الذي كان يتحدث بمرارة وقال: إن ابنه كان في طريقه للسودان عندما تم اختطافه، وأضاف: وكان قصي قد تواصل معي عبر الواتساب وأكد لي عودته للسودان في بداية شهر نوفمبر، وفرحت كثيراً لأنه سافر قبل ثمانية سنوات، ولم يعد خلالها، وعندما تأخر عن الموعد الذي حدد أحسست بإحساس غير مطمئن (قلبي مقبوض)، وتواصلت مع شقيقه الأصغر الذي لحق به وأبلغني بالخبر الصادم، وقال لي إنهم كانوا يتوقعون أن يطلب المختطفون فدية كعادتهم التي درجوا عليها، ويقوم السودانيون بتجميع المبلغ وتسليمه للمختطفين، ويفك سراح المختطف، إلا أن ذلك لم يحدث إلى أن ظهر مقطع الفيديو.
كيف تلقت والدة قصي الخبر؟
ويمضي عم النور في سرد قصته ويقول: لم أشأ أن أفاجئ والدته بالخبر، حتى هيأتها وأخبرتها به، وما زالت متأثرة وكل أفراد الأسرة ما قادرين نأكل ولا ننوم، وحتى الآن ما عارف (ساقوا في شنو وعايزين شنو، ونحن منتظرين الله)، وناشد النور الحكومة بالتدخل العاجل، وأشاد بموقف معتمد محلية المناقل الذي أكد أن المفقودين أبناء كل السودان.
سند الأسرة:
وتصر والدته على أن تأخذ الهاتف من زوجها لتوصل صوتها، وتتحدث والعبرة تسد حلقها وتقول: قصي سندنا وأملنا، وأكدت أنه المسؤول من أخوانه ومصاريف دراستهم.. وأشارت إلى أن شقيقه عدي جمد دراسته في الصف الثالث ليلحق بأخيه ويحضره بعد أن طالت غيبته.
ومن ذات القرية ناشد عماد النور خال الرهينة محمد عبد الباقي الحكومة بالتدخل العاجل لفك سراح أبنائهم الذين سافروا بطريقة شرعية لليبيا.
توقف الحياة في القرشي:
أحد مواطني محلية 24 القرشي أكد توقف الحياة في القرى التي اختطف أبناؤها، وقال: منذ سماع الخبر ظل الناس يتجمعون في منازل أسرهم عاجزين عن فعل أي شيء، ولا يملكون سوى الدعاء في المساجد، وأشار إلى أن مواطني المحلية يستبشرون خيراً بزيارة رئيس الجمهورية للولاية وقال إنهم سيسلمونه مذكرة بذات الخصوص.
لجنة للمتابعة:
بما أن كل الرهائن من مناطق متقاربة وبعضهم أقرباء، قرروا تكوين لجنة مصغرة من بعض ذويهم لتتابع الأمر مع الجهات المختصة، وأشار عبد الباقي خوجلي خال الرهينة عابدين، بأنهم في بداية الأمر التقوا بنائب الدائرة بالبرلمان، الذي بدوره وجههم للجنة حقوق الإنسان، ورفعوا لها مذكرة وأكدت لهم متابعتها للقضية مع وزارة الخارجية، وجهاز الأمن.
سيف الوحيد:
ومن قرية أم دغينة الركابية خرج سيف الدين محمد بدوي الابن الوحيد في الأسرة، باحثاً عن وضع أفضل يوفره لأخواته البنات، ولم يكن يدري أن مصيره سيكون مبنياً على المجهول، ويقع فريسة للخاطفين، ويقول خاله إن سيف الدين هاجر إلى ليبيا عقب تخرجه في الجامعة لمساعدة والده في تربية أخواته.
هذا حال بعض أسر الرهائن، وقطعاً هو حال البقية، فمن الصعب على أم أو والد يرى أبناءه في هذا الموقف، ويكون عاجزاً عن مساعدتهم، ولا يملكون سوى الدعاء والتقرب إلى الله، وينتظرون جهود الحكومة التي وعدتهم خيراً.
تحقيق: ثناء عابدين

(صحيفة آخر لحظة)

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.