محمد لطيف: لا فى سيرة ميرغنى صالح ..بل عن سقوط الطائرة !

بدءا نترحم على أرواح شهداء مروحية القضارف دون تعريف أو تصنيف فحسبنا أنهم جميعا أحياء عند ربهم يرزقون .. نترحم على من إختارهم الله الى جواره .. ونهنىء من كتب الله لهم النجاة وأن يشملهم بلطفه ويكتب لهم حسن الختام .. ولكن معلومات ذات مغزى فى حوادث الطيران بدأت تتناثر هنا وهناك .. تدفع المرء لإعادة قراءة ما حدث .. ومعرفة مدى إتساق الوقائع مع المعلوم بالضرورة من قواعد الطيران ..!
بدءا احاول إشراككم فيما افكر فيه .. الصدفة وحدها جعلتنى الإسبوع الماضى على متن مروحية مماثلة .. تابعة لطيران الشرطة ايضا .. رفقة عدد من الزملاء والمسئولين والخبراء .. وفى جولة ولائية ايضا .. الرحلة التى إستغرقت يومنا بحاله شهدت خمس عمليات إقلاع و هبوط .. غير الإقلاع من مطار الخرطوم بالطبع .. ملاحظتى الأساسية هنا .. أن أيما منطقة هبطنا فيها .. أيا كانت تلك المنطقة .. فى قلب الصحراء .. أو فى برية آهلة بالسكان .. أو على طريق اسفلتى .. أذكر بوضوح تام ثلاثة اشياء كنت المحها فى أى مهبط .. علامات واضحة على الأرض تحدد موقعا لهبوط الطائرة .. مؤشر يحدد إتجاه الرياح .. وأخيرا شخص يقوم بدور المرشد من على الأرض .. !
حسنا .. لقد قررت تطبيق ذات القواعد على المروحية المنكوبة .. ومصدرى الأساسى هو إفادة قائد المروحية .. وفق ما نقلت بعض الصحف والعديد من المواقع الإسفيرية وعدد هائل من مواقع التواصل الإجتماعى ..و حيث أن أى تعقيب لم يصدر نفيا أو تصحيحا فسأتعامل مع تلك المعلومات كما وردت .. فقد نقل عن قائد الطائرة قوله .. ( إن سبب سقوط الطائرة كان نتيجة لحريق بقايا من قصب الذرة بالقرب من منطقة هبوط الطائرة، وقال إن الدخان الناتج من حريق القصب دخل إلى محرك الطائرة وأدى إلى تعطيله، إلى جانب حجب الرؤية في الطائرة وإرتطامها، وكان من المفترض أن تهبط على الأسفلت بالطريق القاري ..) إنتهى التصريح الذى يبدو مفزعا .. فالمنطق هنا يقول .. أن هذه الطائرة قد سعت لحتفها بظلفها .. فهل سقطت الطائرة بفعل فاعل .. ؟ ليس بالضرورة بالطبع .. ولكن من العصى إستبعاد الخطأ البشرى .. فالطائرة هى التى ذهبت الى مكان الحريق .. ولم يأتى الحريق اليها .. فلا يعقل مثلا أن الطيار قد فوجىء أن الأرض قد إشتعلت من تحته مد البصر فلم يجد منطقه آمنة يهبط فيها .. ثم .. هل كانت هناك أية ترتيبات على الأرض تحدد لهذه الطائرة المنكوبة مكانا مناسبا للهبوط ..؟ فإن كانت ثمة ترتيبات .. هل كان هؤلاء المرتبون على علم بتأثير الدخان على محركات هذا النوع من الطائرات ..؟! وهل كان من على الأرض .. إن وجدوا .. ومن يتولون أمر الطائرة من داخلها .. يعلمون شيئا عن حركة الرياح فى المنطقة .. وعن تأثير الأدخنة ..؟! هذا إن صحت الرواية أصلا ..؟ الحديث عن أدخنة متصاعدة ألا يعنى أنه يمكن رؤيتها بالعين المجردة من مسافة معقولة .. كافية لتعديل موقع وإتجاه الهبوط ..؟ أم أن عطلا فنيا آخر هو الذى عطل هذا الإجراء ..ومن يمكن أن يجيب على هذا السؤال يا معالى السيد وزير الداخلية ..؟
ولا ينبغى مغادرة هذه المحطة دون الوقوف عند ما تؤكده التقارير الرسمية عن حوادث الطيران فى العالم من أن 80% من هذه الحوادث وقعت فى محيط لا يتجاوز كيلومترا واحدا فقط من مدرج الهبوط أو الإقلاع مما يعنى أن المرحلتين هما أخطر مراحل الطيران .. ترى كيف كانت جاهزية طاقمنا وطائرته تتأهب للهبوط أى فى واحدة من أخطر مراحل الطيران ..؟
ثم ننتقل الى جزء آخر من إفادات قائد الطائرة يبدو أشد غرابة .. إذ يتحدث عن خروج كل طاقم الطائرة .. نحمد الله بدءا على سلامتهم .. ونؤكد إيماننا أن الموت بيد الله .. وأن الأجل لا يؤخر ولا يستقدم .. ولكنا هنا أمام منطق آخر .. ودعونى ايضا استصحبكم معى فيما افكر فيه .. ففى الثانى عشر من يونيو من العام 2008 أصدرت هيئة الطيران المدنى السودانى بيانا قالت فيه
( إلحاقاً لبيانها الأول حول وقائع الحادث المؤسف لطائرة الخطوط الجوية السودانية الذي حدث مساء الثلاثاء10 يونيو 2008م تود الهيئة العامة للطيران المدني أن تعلن أن المجهودات المتواصلة المبذولة لاحتواء الحادث والعمليات المتعلقة بالبحث والإنقاذ والتي تمت بنجاح وكفاءة عالية والتحريات التي قامت بها السلطات للوصول الي الحقائق عن المفقودين قد اسفرت عن الآتي .. ارتفع عدد الركاب الناجين الي 178راكبا.. عدد أفراد الطاقم الناجين بلغ 10 أفراد حيث استشهدت مضيفة نتيجة لمحاولتها الباسلة لانقاذ ركاب الطائرة ) ..!!!!!!! والآن هل لفت نظركم أبدا عشرة ناجين من الطاقم .. ؟ أم تذكرتم الشهيدة سهام عبد الرحمن التى أبت أن تغادر الطائرة المشتعلة وأنقذت اربعين راكبا بالتمام والكمال .. قبل أن تصعد روحها لبارئها راضية مرضية .. ولكن المفاجأة الأعظم كانت ما قالته والدة سهام فى لقاء تلفزيونى بعد يومين من فقدها لفلذة كبدها حين سألوها عن ما فعلت إبنتها فقالت (ياها سهام وياهو طبعها ودا واجبا ما كان ممكن تقصر فيه ) .. وأداء الشهيدة سهام مقروءا مع حديث والدتها عن الواجب يقودنا للحديث مباشرة عن واجب طاقم الطائرة .. قواعد الطيران تنص على الآتى .. ( مهمة أفراد الطاقم الأولى هي الحفاظ على أمن وسلامة جميع ركاب الطائرة، بما فيها زملائهم. وعادة ما يتبع أفراد الطاقم إجراءات أمن وسلامة طويلة ومعقدة للحفاظ على سلامة الطائرة وكل من هو على متنها .. يتم تدريب طاقم الطائرة على التعامل مع جميع حالات الطوارئ، بما فيها المسافرون الذين يحتاجون إلى إسعافات أولية والمسافرون الذين يسببون مشاكل، والحرائق على متن الطائرة واضطراب الطيران وعمليات الإجلاء في حالات الطوارئ إذا لزم الأمر. ومن أجل ذلك كله يدرس الطاقم كورس مكثف عن إجراءات السلامة يستغرق من 4 أسابيع وحتى 6 أشهر و يحضر طاقم الطائرة اجتماع قبل كل رحلة مع الطيار ومدير المقصورة.. وتتم في هذا الاجتماع مراجعة إجراءات الأمن والسلامة وأي إجراءات خاصة بالرحلة والركاب ) .. وتفاديا للإطالة دعونا نكتفى بسؤال واحد ايضا .. حول مدى جاهزية طاقم الطائرة و إلتزامه بالقواعد الواردة أعلاه .. بالطبع نأخذ فى الإعتبار أن الطائرة عسكرية .. وأن النصوص ليست مقدسة .. ولكنا لن نتجاوز حقيقة أن يغادر كل طاقم الطائرة .. ويبقى بداخلها الشخصية الأكثر أهمية .. أو الشخصية رقم واحد .. ولا نستكثره على الله ولكنا قد سئمنا التعود على عدم تحديد المسئوليات ..!
وسأختم بقصة أخرى .. فقبل نحو اكثر من عشرين عاما كنت فى طريقى الى عمان على متن طائرة الخطوط الجوية الأردنية .. وقتها لم تكن موجة الإرهاب قد ضربت العالم .. فلم يكن هناك تشديد على أرقام المقاعد .. وأذكر أننى قد إخترت مقعدا أمامه فراغ عريض حتى أمدد ساقى .. وفجأة إنحنت أمامى مضيقة رقيقة لتقول لى برقة ايضا .. أنت تجلس جوار بوابة الطوارىء فهل تعلم ما عليك فعله إن حدث طارىء لا سمح الله ..؟ جف حلقى وتصاعدت أنفاسى .. وربما كنت قد فقدت وعيى لولا عطرها النفاذ الذى إختلط بأنفاسى وأنا اقول لها .. لا أريد أن اعلم أرجوك ابعدينى من هنا فحسب ..!
تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ .. والدهشة تلفنى .. ما نسب لقائد الطائرة عن نقل أحد الناجين من الطاقم الى اثيوبيا لأنه مصاب بالسكرى ..!!! نسأل الله أن يديم على الجميع نعمة العافية !!!!!

 

 

المصدر : باج نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.