بالخرطوم ظاهرة إجتماعية آخذة في الانتشار ..زواج المكاتب..العانسات أكثر الفئات إقبالاً على الزواج بهذا الاسلوب

اختر شريك حياتك من صفوة المجتمع.. لدينا اطباء وضباط ومهندسون ورجال أعمال آنسات ومطلقات وأرامل لديهن سكن الزوجية، رجال وسيدات بمختلف الأعمار، كوكتيل من الخيارات نجدها داخل دفاتر مكاتب الزواج فهي فكرة تتأرجح بين القبول والرفض، البعض يعتبرها اختصاراً للوقت والشروط والتكاليف، وآخرون يعتبرونها مغامرة ومخاطرة لجهل ما تخفيه قلوب البعض، فكيف يتم الزواج في هذه المكاتب؟ وهل هناك أسس وضوابط لهذا النوع من الزواج؟ وكيف ينظر المجتمع لهذه الظاهرة التي انتشرت أخيراً بالعاصمة؟ وهل هناك محاذير وسلبيات من الزواج بهذه الطريقة؟
….

حكاية (ل)
(ل) فتاة في مقتبل عمرها حكت لها صديقتها عن وجود مكتب لطلبات الزواج ذهبت (ل) وبعد أيام قلائل تزوجت بـ (ك) عن طريق ذلك المكتب فهو شاب غني وجميل ولكن بعد شهرين من الزواج انقلبت حياتهما رأساً على عقب فمظاهر الشاب الخارجية التي اغرقتها في حبه اتضح انها كاذبة ومزيفة، فقد كان في كل ليلة يأتيها (مخموراً) اضافة الى انه كان يمثل عليها دور الغني، فالسيارات التي كان يقودها كان يستلفها من صديقه اضافة الى هذا كان يقوم بضربها يومياً، وحين طلبت منه الطلاق رفض متحججاً بأنها قبلت به دون ان يرغمها احد على ذلك.
زواج ناجح
(م) و(ع) زوجان جمع بينهما مكتب صغير للزواج منذ عامين وهما الآن كما قالا اسعد زوجين، ويضيفان نحن التقينا صدفة في المكتب وكأن القدر هو الذي اراد ان يجمعنا ولا نعتقد ان كنا نعرف بعضنا قبل هذا ان نكون بهذا الوئام والحب الذي نعيشه.
العانس (س)
(س) فتاة في عمر (40) عاماً يأست من انتظار العريس طويلاً مما دفع بها الى احد تلك المكاتب وترك تفاصيلها لديه املاً في ايجاد شريك حياتها لينتزعها من تلك العنوسة.. ولكن اوراقها ظلت حبيسة ادراج مكتب الزواج طويلاً، دون ان يأتي الزوج، فايقنت ان حظها العاثر وعنوستها تلاحقها حتى في الزواج بهذا الاسلوب.
تفاصيل مزيفة
مكاتب الزواج من الوسائل الحديثة للربط بين اثنين وتزويجهما وهي طريقة مبتكرة تتمثل في وضع شروط كل طرف او صفات يتمناها في الطرف الآخر، وصفها الكثيرون بالمغامرة وذلك لعدم معرفة تفاصيل الطرف الآخر وكل طرف يعمل على تحسين وتجميل صفاته ليظهر بمظهر مناسب أمام الآخر وقد يحدث فيها كثير من الخداع وذلك بوضع معلومات وبيانات عن شخص قد تكون غير موجودة على أرض واقعه أو غير ممثلة في شخصه، ولكن هذا لا يمنع نجاح كثير من الزيجات بواسطة تلك المكاتب فليس كل من يضع معلوماته وتفاصيله في دفاتر تلك المكاتب تكون غير صحيحة، فهناك الكثيرون الذين لم يجدوا (بنت الحلال) فساقتهم أقدامهم إلى تلك المكاتب بحثاً عن ضالتهم.
تعثر الزواج
د. بهاء الدين عبد الباقي – رئيس منظمة «البهاء الخيرية» – سألناه عن الزواج عن طريق المكاتب فقال: إن منظمته منظمة خيرية وتعمل على مساعدة الشباب على الزواج وفي البداية كانت مجرد فكرة وكنت أقوم بمساعدة الذين يرغبون في الزواج وليس لديهم المال لاكمال زواجهم وكانت اغلبية الذين اساعدهم من الاقرباء والمعارف والأهل حتى كانوا يوصفوني بـ (بهاء الدين لأكمال نصف الدين) وبعدها اقترح علىَّ البعض انشاء منظمة لمساعدة الراغبين في الزواج ومنها قامت منظمة (البهاء الخيرية) والشيء الذي دعاني لانشاء هذه المنظمة هي كثرة الزواج العرفي والخطوبة طويلة الأجل وفيروس (فسخ الخطوبة) الذي يؤدي الى تعثر الزواج. ويتم الزواج عبر تسجيل بيانات كل طرف مثلاً (الاسم والعمر والجنسية والعمل) اضافة الى صورة فتوغرافية للشاب ولا نستلم اية صورة من الفتاة وذلك لتفادي الاشكاليات التي قد تواجهنا، وبعدها نقوم بدراسة الموضوع ومقارنة كل حالة أو طلب ومواصفاته وتطابقها مع الطلب الآخر وذلك من حيث الشروط والبيانات، واذا توافقت الشروط – في البداية – يتم عرض صورة الشاب على الفتاة وإذا وافقت نجمع بينهما في مقر المنظمة بحضور المستشار القانوني وعدد من الموظفين بالمنظمة وبعدها نتركهما ليتناقشا في الشروط مع بعضهما وإذا اتفقا يتم البدء في اجراءات (العرس) بأعطائهما (الشنطة كاملة والمهر أو قيمة الصداق الشرعي ويتراوح ذلك بين «100 – 200» جنيه) وبعد شهر فقط تتم مراسم الزواج، وأكثر الفئات العمرية التي تقصد المنظمة للزواج تتراوح بين (25 – 40) عاماً وأكثرهم من البنات في عمر (30 – 40) عاماً، اضافة الى الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين (35 – 50) عاماً.
شباك الخداع
(س) مدير مكتب للزواج – رفض ذكر اسمه – سألته عن كيف يضمن المتقدم للزواج وينجو من شباك الخداع؟ أكد قائلاً إن أولى خطوات الاطمئنان يجب ان يستوفى مكتب الزواج جميع التراخيص الأمنية والقانونية، كما يجب ان تكون متوافرة وتحت طلب (العميل) أي المتقدم للزواج في أي وقت، فضلاً عن أن المكتب يجب أن يضع في اعلانات الجرائد رقم الموافقة الأمنية ورقم التصريحات القانونية، وثانيأ تكمن في التأكيد للمتقدم من أن جميع الاجراءات تتم في سرية تامة حفاظاً على خصوصياته، ويضيف (س) كما يجب ان ينتبه المتقدم الى سمعة المكتب فالاحتياط واجب والسؤال عن سمعة المكتب واجبة ايضاً، ويستطيع معرفة مدى المصداقية من خلال ردود المكتب عليه، فلو وعده بالزواج خلال اسبوع او شهر تجدر به عدم الثقة فيه، فالزواج موضوع توفيق وقبول ولا يستطيع أحد معرفة وقت النصيب، فهذا كله سعى واجتهاد والمقسوم من عند الله اولاً، وايضاً أن السرعة الزائدة في تحديد موعد الزواج لا تنم عن تأنٍ في اختيار وتوفيق المكتب بين الطرفين في طلبات السن والمؤهل الدراسي والوضع الاجتماعي.
لماذا هذا الزواج؟
«ثريا إبراهيم» باحثة اجتماعية ذكرت ان الزواج عن طريق العلاقة الطبيعية تتوافر فيه الفرصة لمعرفة الزوج بشكل مباشر وهذا من خلال علاقات العمل أو الجامعة والفرصة المتاحة والعلاقات الأسرية، فكلما كانت العلاقة أو الاختيار من خلال علاقة معروفة سواء أكانت فردية أو من الأهل أو الجيران، كانت العلاقة قوية ومتينة ومضمونة أكثر، أما ان تكون عن طريق الطلبات في المكاتب للزواج أو التعارف عبر الانترنت يمكن ان يؤدي هذا الى الخداع، ولكن لا يمنع ان تكون هناك علاقات جيدة ولكن بنسبة نجاح قليلة جداً وهذا مجرد حظ لأن الشخص دائماً يحلى اوصافه ليصل الى الهدف، وهناك كثير من الفرص لكن البنات لا يستغللنها بصورة جيدة فكثير من الفتيات يرفضن الشباب بحجج غير مقنعة والفهم السوداني (مندلق) ولم نصل إلى مرحلة الوعي وذلك بافتراض ان الذين يقدمون طلب الزواج عبر المكاتب خاصة من البنات انهن تعدين مرحلة الشباب لذلك يلجأن الى المكاتب فليس خطأ ان تتزوج الفتاة من رجل أصغر منها سناً وأيضاً مسألة العرف والتقاليد ورفض بعض الاجناس هذا ما يؤدي الى العنوسة، فالمجتمع السوداني به كثير من المشاكل القبلية فبعض القبائل ترفض الزواج من القبائل الأخرى، والمتمازج بين القبائل لا بد ان يحصل.. وهو مطلوب فنحن سودانيون وكثير من علاقات الزواج يحصل بها المشاكل نسبة لاختلاف القبائل أو الاعراق، والشخص الذي يقصد المكاتب للزواج يعني انه لم يجد اي عائلة من الناس الذين يعرفهم للزواج منهم وهذا ما يدعه يلجأ الى المكاتب أو الزواج عن طريق الانترنت.
الشروط والمجهودات
د. أسماء عبد المتعال – علم نفس جامعة السودان – قالت ان فكرة الزواج عن طريق المكاتب نفسياً قد تجوز ويستهواها البعض كفكرة جديدة وصريحة في شكلها الظاهر وقد تكون جذابة أيضاً لأنها توفر للطرفين كثيراً من الشروط والمجهودات والموضوعات التي تتوافر للضرورة في الزواج العادي والنمطي، أما حقيقة الأمر فإني أرى أن هذا الموضوع لا يخلو من المخاطرة والمغامرة والاستخفاف، أما عن المخاطرة والمغامرة لأن الفرد يغامر بسمعته وقدره ووزنه الاجتماعي والشخصي بحثاً عن هذه المكاتب، أما الاستخفاف ذلك لأنه يضرب بقيم المجتمع وبآداب المجتمع عرض الحائط بحثاً عن الزواج أو الطرف الآخر، أما النتيجة الحتمية لهذا الأمر فيرجح فيها جانب الفشل أكثر من النجاح، ذلك لأن هذا الزواج تغيب عنه كثير من الشروط والمطلوبات التي تجعل الزواج ناجحاً مثل التقويم الذي يجسم وجود الزوجين في مكان واحد، حيث يتم تفاعل الانفعال الشخصي عبر السمع والبصر والشم – ان جاز التعبير – وكل ما يمكن ان يتحصل عليه عن طريق الوجود مع الآخر (دفء لقاء الانسان بالانسان) وبعض تلك الاحساسات التي تتولد عن هذا اللقاء والتي قد تقود الى اقتناع أصيل بالطرف الآخر الأمر الذي يقود الى زواج سليم ومعافى بعكس ما يحدث في الزواج بالمراسلة.

تحقيق: دار السلام علي
الرأي العام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.