ألم يقتنع دعاة الانتفاضة بفشلهم في تحريك الشارع؟

ليت دعاة الانتفاضة من قوى المعارضة يفيدون من الضربة الموجعة التي وجهها إليهم الشارع السوداني يوم الجمعة الماضية والذي عوّلوا عليه لأن يحمل إليهم السلطة على طبق من ذهب وينصبهم على رأسه حكاماً .

صحيح أن حال البلد يغني عن المقال بعد أن بلغ السيل الزبى والروح الحلقوم ووصل تردي الوضع الاقتصادي درجة غير مسبوقة في تاريخ السودان منذ الاستقلال وإذا كان الناس قد شهدوا صفوف الوقود والرغيف منذ عشرات السنين فإنهم لم يشهدوا من قبل أزمة سيولة أفقرت حتى الأغنياء وحرمتهم من أن ينعموا بأموالهم بل أن تصاعد وتيرة التضخم وانخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار لم تحدث على امتداد تاريخ السودان الحديث وأسوأ من ذلك كله أن جميع الحلول المطروحة لا تُبشر بانفراج وشيك بعد أن قل النصير في عالم تجهم في وجهنا ولم يحفل معاناتنا وكأن هناك تواطؤاً إقليمياً ودولياً يضمر لنا شراً وبيلاً.
لكن ما الذي صبّر هذا الشعب الذي سبق له أن أشعل ثورتي أكتوبر 1964 ورجب 1985 في ظروف اقتصادية أفضل ربما مئة مرة من الوضع المأزوم الحالي؟

السبب يكمن في أن السودان والعالم لم يعد كما كان خلال اندلاع تلكما الثورتين فعلى المستوى الداخلي حدثت تمردات متوحشة بل شهدت العاصمة أحداث (الإثنين الأسود) عقب مصرع قرنق في أغسطس 2005 والتي روّعت سكان العاصمة كما شهدت أحداث سبتمبر 2013 فقد تغيّر نمط الأحداث في المناسبتين لتصبح أكثر وحشية ودموية ويستخدم فيها السلاح وأسلوب إحراق طلمبات الوقود والمؤسسات والأسواق وترسخت القناعة لدى سكان العاصمة بأن الأمن يعلو على كل الاعتبارات الأخرى وأن فقدان الأمن يعني فقدان كل شيء.
ثم اشتعلت ثورات الربيع العربي ومع انتشار الوسائط التواصل الاجتماعي رأى المواطنون ما حدث في محيطنا الإقليمي بما في ذلك سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال، وكيف أدى فقدان الأمن إلى فقدان الأوطان ناهيك عن العيش الكريم، ورأى الناس ما حدث للشعب السوري الذي فرت نساؤه وأطفاله وشيوخه إلى بلادنا بحثاً عن الأمن والأمان بعد أن كانوا ينعمون بعيش كريم في أرض مباركة كان شعبها يعيش في رغد من العيش لا يقارن بحال شعب السودان.
ما حدث لتلك الشعوب التي فقدت الأوطان وشردت في أرجاء الدنيا كان بمثابة الدرس الأبلغ الذي وجه رسالة قوية لكل أفراد الشعب أن الأمن يعلو على كل مقومات الحياة الأخرى من مأكل ومشرب وأن تردي الوضع الاقتصادي مهما بلغ من سوء لا يعدل البتة فقدان الأمن الذي يعني فقدان كل شيء.

أضف إلى ذلك أن الشعب الغاضب من معالجات الأزمة الاقتصادية ومن الصفوف المهينة بما في ذلك صفوف السيولة أو قل حرمانه من أمواله ومن الفساد الضارب الأطناب ومن كل شيء لا يثق في البدائل وبالتالي لن يغامر بإشعال ثورة تقوده إلى المجهول (فجناً تعرفه خير من جن لا تعرفه) كما يقولون وإن كان لا بد من تغيير فالأولى أن يأتي بصورة سلمية من خلال انتقال سلس يُجنّب البلاد ويلات التغيير غير المحسوب سيما وأن بعض قوى المعارضة المدنية تتحالف مع حركات مسلحة (تحالف نداء السودان مثلاً) (وقوى الإجماع) لا يرى فيها الشعب إلا الموت والخراب والدمار الذي فتك بدارفور وهجليج وجنوب كردفان وأحال حياة مواطنيها إلى بؤس وشقاء وعذاب وأسهم في الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد من خلال الحرب التي قضت على الأخضر واليابس.
للأسف الشديد فإن السياسيين من قصار النظر لا يدركون أن التحالف مع الحركات المسلحة يباعد بينهم وبين الجماهير وأن تلك الحركات تشكل عبئاً سياسياً كبيراً عليهم فإذا كانوا ينقمون على الحكومة سياساتها الخاطئة فإن ما فعله حلفاؤها في الحركات المتمردة بالوطن بل وخارج الوطن أبشع وأخطر وأسوأ ولن يرضى الشعب أن يكون هؤلاء وأولئك بديلاً يثورون من أجله لينصبوه حاكماً عليهم.

كوش نيوز

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.