ينطبق على الحكومة المثل القائل (لا طال بلح الشام …ولا عنب اليمن ) .

______
ما وراء الخبر – محمد وداعة
الزيارة السرية .. المعلنة !

لم يكن موفقاً إطلاق صفة السرية على زيارة الرئيس البشير إلى سوريا، فالزيارة السرية لا تعلن في يومها على الأقل، بل أن الزيارة (السرية) أعلن عنها بعد إقلاع طائرة الرئيس مباشرة وقبل وصولها إلى الخرطوم، وانهمرت الرسائل في وسائط التواصل الاجتماعي بإعلانات رسمية (بعد زيارة سرية خارجية ناجحة رئيس الجمهورية سيعود للبلاد في تمام الساعة التاسعة وربع مساء وتصريحات صحفية في المطار بالصالة الرئاسية والدعوة موجهة للأجهزة الإعلامية كافة ) .

وسواء كان الاصطلاح الصحيح هو زيارة سرية أو زيارة غير معلنة، فربما يتساءل السائلون لماذا سرية أو غير معلنة ؟ وماذا كان المتوقع حدوثه لو أعلنت رئاسة الجمهورية عن الزيارة ؟ وما الذي كان سيعيقها ؟ خاصة وأن هناك تكهنات بأن الزيارة ربما تمت بتغطية تأمينية روسية .
الحقيقة المعروفة هي أن العلاقات السودانية السورية لم تشهد قطيعة وظلت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قائمة على مستوى السفراء، ولم يقم أي من البلدين بسحب سفيره طيلة الفترة الماضية ، بالإضافة إلى تواصل رسمي وحزبي ولذلك لم أجد تفسيراً لوصف الزيارة بالسرية إلا ربما للإثارة والتضخيم الإعلامي، فالسودان دولة ذات سيادة، ولا يوجد أي تهديد لزيارات الرئيس الخارجية إلا من سلطة المحكمة الجنائية الدولية، و سوريا غير خاضعة لسلطة المحكمة .
أهم الإشارات والمدلولات حول الزيارة جاءت من روسيا وإيران، حيث اظهرتا احتفاءً بالزيارة والتعويل عليها ، وفي إشارات إلى ارتباط الزيارة بوضع السودان الداخلي إكثر من ارتباطها بالوضع السوري تزامنت مع خبر وديعة روسية مليارية، الرئيس التركي في تلميح له علاقة بالزيارة قال (هناك من يدعمون بشار رغم أنه قتل مليون مسلم).
حتى الآن لا توجد ردود فعل رسمية من جهات ربما تضررت من الزيارة وأهمها دول التحالف العربي ، لا سيما بعد تأكيدات قوية من الرئيس البشير بمتانة العلاقات مع السعودية و الاستمرار في تحالف دعم الشرعية، وهذه مؤشرات جيدة إذا استفادت الحكومة من عثراتها السابقة في إدارة ملف العلاقات الخارجية، و تجديد الالتزام بمحددات الأمن القومي الوطني و العربي، وهو الخيار الصحيح بالرغم من ما يعتريه من ظواهر الضيق .
هذا السيناريو المتداول كشف عن ثغرة كبيرة في تكوين الرأي العام، وفضح الطابور الإيراني في أوساط إعلامية وسياسية، وكشف عن تبسيط مخل للأمور ينطلق من (شفقة) لا مبرر لها وسط نافذين في الحكومة، وضعف في قراءة الأوضاع على الأرض، ولم يكن لينطلي على أحد تهافت إيران على الاستثمار في الزيارة بطريقة فجة ومتعالية، فلا أحد يتوقع أن الزيارة تمت دون اتفاقيات وترتيبات، ولذلك فإن قرار سحب القوات إن كان صحيحاً فهو يحتاج إلى ترتيبات إدارية وميدانية ولا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، ناهيك عن التوقيت السييء الذي يتزامن مع اتفاق السويد وبداية العد التنازلي لطي ملف حرب اليمن نهائياً ربما …
خاصة وحسب المتداول أن الأخطار (الموهوم) بسحب القوات جاء بعد انتهاء الزيارة السرية وأثناء زيارة رئيس الأركان السعودى للبلاد، وهو بدون شك لا يعد أمراً لائقاً أن يتم سحب الجنود المقاتلين على الهواء، على الأقل حرصاً على سلامتهم، حسب قواعد الاشتباك، ولا يمكن لمتحالف أن ينتقل للحلف العدو ببساطة حاملاً أسرار ومعلومات الحلف القديم للحليف الجديد، فتقوم حرب جديدة أو تقع عداوة جديدة، فالتاريخ لا يعيد نفسه، فينطبق على الحكومة المثل القائل (لا طال بلح الشام …ولا عنب اليمن ) .

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.