استدعاءات السفراء بالخرطوم.. سفارات عربية على الخط

مطلع الأسبوع طالبت السفارة الكويتية بالخرطوم رعاياها بمغادرة السودان الذي يشهد تظاهرات احتجاجاً، موضحة في بيان صحفي نقلته وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، أنها تدعو المواطنين لمغادرة السودان (حفاظاً على سلامتهم)، مهيبة في الوقت نفسه بالـ(كوايتة) عدم السفر إلى السودان في الوقت الراهن. وأضاف البيان: على المواطنين الكويتيين المتواجدين في السودان حالياً التقيد بتعليمات الجهات الأمنية، وعدم الاقتراب من مواقع التجمهر والتجمعات ومناطق المظاهرات.
رد الفعل الحكومي جاء سريعاً باستدعاء خارجية الخرطوم للسفير الكويتى لإبلاغه احتجاجها ورفضها لما اعتبرته مهدداً لاستقرار البلاد.

الاستدعاء .. مدلولات وأنواع
الاستدعاء يعد في العرف الدبلوماسي خطوة أولى يمكن أن تليها خطوات أخرى أكثر تصعيداً ويمكن أن ينتهي الأمر عند حد الاستدعاء نفسه. ويعبر الاستدعاء في الوسط الدبلوماسي عن مواقف سلبية في الغالب، ويتخذ عدة أشكال بحسب متابعات (السوداني) أبرزها أن تقوم دولة باستدعاء سفيرها لدى دولة أخرى للتشاور حول موضوعات وقضايا موضع الخلاف أو الاحتجاج، وقد يتم ذلك من خلال تباطؤ الدولة في إرسال سفير جديد لها محل سلفه الذي انتهت مدته بشكل طبيعي، وقد يتم ذلك أيضاً من خلال قيام السفير بإجازة في بلده تستمر طويلاً بشكل متعمد. وقد يتم الاستدعاء من خلال إعلان رسمي من دولة السفير بسحبه من الدولة المعتمد لديها اعتراضاً على سياسات غير مقبولة، وقد

يستمر سحب السفير طويلاً.

خبراء دبلوماسيون يرون أن استخدام تعبير (استدعاء السفير) للدلالة على إجراء مغاير تماماً لكل ما سبق ويقصد بذلك قيام وزارة الخارجية باستدعاء سفير دولة ما إلى مقر الوزارة لمقابلة أحد مسئوليها لإبلاغه عدم رضا الدولة عن سياسات دولة السفير أو سلوكيات السفير نفسه.
وتتعدد أهداف الاستدعاء كما أنها متمرحلة، وطبقاً لسفراء سابقين، تبدأ من مجرد طلب إيضاحات بشأن موقف ما، وقد يكون الاستدعاء لإبلاغ السفير احتجاجاً واضحاً بل قد يصل هدف الاستدعاء إلى الحد الأقصى وهو إبلاغ السفير اعتباره شخصاً (غير مرغوب فيه) وهو تعبير يعني انتهاء صفته في الدولة وضرورة مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة.. ويوصف الإجراء الأخير بأنه أقصى وأقسى إجراءات التصعيد الدبلوماسي، ولا يحدث إلا في حالات نادرة مثل ارتكاب السفير أعمالاً خطيرة (كالتجسس) أو في حالة التدهور الحاد في العلاقات بين البلدين.
أحياناً تعبير (استدعاء السفير) يستخدم بشكل دائم بمعنى آخر ليس له أي مدلول سلبي، ويقصد بذلك عودة السفير إلى بلاده بشكل طبيعي، إما لانتهاء مدة عمله في تلك الدولة أو لترقيته لمنصب آخر في بلده، أو نقله لرئاسة بعثة في دولة أخرى أو إلى رئاسة وزارته، أو وصوله إلى سن التقاعد. وفي كل هذه الحالات تتم للسفير إجراءات تشبه إجراءات اعتماده عند بدء مهمته، مثل تقديم خطاب استدعاء إلى وزارة الخارجية في الدولة المعتمد لديها، ومقابلة كبار المسئولين فيها لوداعهم، (والحصول أحياناً على نياشين وأوسمة) ووداع نظرائه من سفراء الدول الأخرى وتلبية العديد من دعوات تكريمه.

المثول بأمر الدبلوماسية

ويعيد استدعاء السفير الكويتي بسام محمد مبارك من قبل وزارة الخارجية للأذهان قصص وأسباب استدعاءات متكررة تقوم بها الوزارة تجاه السفراء المقيمين في الخرطوم بين الحين والآخر، لا سيما سفراء الدول الغربية إذ كان آخرها استدعاء سفير الاتحاد الأوربي بالخرطوم بسبب اجتماعه ونقاشه مع مجموعة من الصحافيين عن الحريات في السودان.
وما بدا لافتاً في أمر الاستدعاءات هو أن السفراء العرب هم الأقل حضورا في باحة الخارجية وديوانها، لكن ما يزال استدعاء السفير الأردني لدى الخرطوم، عايد الدرارجة، بسبب موقف بلاده من الجنائية في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى استدعاء الخارجية مؤخرا القائم بأعمال السفارة الليبية بالخرطوم السفير علي المحرق حول أوضاع السودانيين في الأراضي الليبية، فيما استبقه لأبواب الخارجية السفير المصري السابق أسامة شلتوت بسبب تنامي الأزمة الإعلامية التي شهدتها الخرطوم والقاهرة. وعلى الرغم من خفض واشنطن تمثيلها الدبلوماسي في السودان، إلا أن جميع من سموا في منصب “قائم بالأعمال” أو من كان نائبا عنه شكلوا حضورا في الخارجية بسبب الاستدعاءات مع اختلاف الأسباب.

تحليلات في الموقف

ويرى الدبلوماسي الرشيد أبو شامة في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن الاستدعاء يعني في العرف الدبلوماسي استجواب السفير استنكارا لما بدر منه من تصرف. ويصف ابو شامة استدعاء السفير الكويتي بسام بأنه (جرعة زائدة) خاصة، وأن ما قام به السفير الكويتي إجراء طبيعي جدا وتقوم به كل السفارات خاصة الغربية تجاه رعاياها لتأكيد حرصها على سلامتهم، مرجحا أن تكون الخرطوم فوجئت بموقف عربي غير معتاد لأن العرب عادة يحاولون ألا يكشفوا حال بعضهم كنوع من التضامن، لافتا إلى وجود وسائل متعددة كان على الخارجية استخدامها بدلا عن اتخاذ موقف دبلوماسي رسمي، فالاستدعاءات مثل إرسال مذكرة لوم من الخارجية إلى السفارة الكويتية أو أن يبلغ السفير السوداني بالكويت موقف بلاده المحتج إلى الخارجية الكويتية.

وأكد الرشيد أن السفير الكويتي لم يتراجع أو يعتذر عند استدعائه عن موقفه الناصح لمواطنيه، ومن حقه أن ينبه مواطنيه حفاظا على أرواحهم خاصة أنهم يأتون لاسباب متنوعة. ويستبعد أبو شامة أن تتخذ الكويت مواقف أكثر تشددا بسبب الاحتجاجات، ويشير إلى أن مثل هذه المواقف تقوم بها السفارات الغربية لأن المواطن هو من أتى بحزب السفير إلى السلطة وبالتالي يخصم مقتل مواطن غربي مثلا في موجة احتجاج في أي دولة كثيرا من رصيد ذلك الحزب، بالتالي هم حريصون في مثل هذه المواقف أو أي مواقف تهدد أمن وسلامة رعاياهم ويصدرون التحذيرات دون أن يتم استدعاؤهم.

تزامنا مع الخطوة الكويتية أصدرت السفارة السعودية بالخرطوم أيضا تحذيرا لرعاياها بالابتعاد عن أماكن الاحتجاجات بالسودان. وقالت السفارة خلال تغريدة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: تأمل السفارة من مواطنيها الزائرين والمقيمين بجمهورية السودان تجنب الذهاب إلى مناطق الاحتجاجات أو الاحتكاك بالمتظاهرين.
في المقابل اعتبر وزير الخارجية السابق إبراهيم طه أيوب، في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن صدور التحذير من السفير الكويتي شكل إزعاجا للحكومة لاعتبارات كثيرة أهمها العلاقات الوطيدة التي تربط البلدين، لافتا إلى وجود سبب آخر يدعو الخرطوم للانزعاج، وهو صدور التحذير وطلب المغادرة من دولة عربية إسلامية في سابقة لم تحدث من قبل.
ويعيد أيوب للأذهان ما حدث عام الانتفاضة ١٩٨٥ حيث واجه السودان مرحلة أصعب من المرحلة التي يمر بها حاليا، لكن لم يصدر السفير الكويتي وقتذاك الراحل عبد الله السريع طوال فترة الانتفاضة بل لم يفكر مطلقا أن يطلب من رعايا بلده المغادرة.
وينبه أيوب إلى ما اعتبره ملاحظة مهمة وهي أن تنبيه السفير الكويتي “بسام” لمواطنيه لمغادرة السودان ورد بصحيفة (الوطن) الكويتية نقلا عن السفارة في الخرطوم، وليس من وزارة الخارجية الكويتية.

السوداني

Exit mobile version