عبير المجمر:المؤامرة ليست ضد النظام وانما الشعب.. وماذا عن القلق المصري من الانتفاضة السودانية

السودان: المؤامرة ليست ضد النظام وانما الشعب.. وماذا عن القلق المصري من الانتفاضة السودانية

عبير المجمر (سويكت)
إنتفاضة 19 ديسمبر السودانية تعتبر من أقوى وأصلب الإنتفاضات التي مرت على تاريخ السودان النضالي وتفوقت على الإنتفاضات التي سبقتها.

 

صحيح أن إنتفاضة سبتمبر 2013 الشعبية صمد فيها الشارع وسقط فيها العديد من الضحايا الشباب، والجدير بالذكر أن إنتفاضات السودان الشعبية على مدار التاريخ لم يسقط فيها ولا نفر وأحد من قادة الأحزاب والحركات المسلحة، فالضحايا دائما هم من عامة الشعب وبالتحديد شريحة الشباب الذين ضاقت بهم الدنيا وصعبت عليهم الحياة وأرتفعت فيهم نسب العطالة، والبطالة، والفقر، والعسوف عن الزواج بسبب الضائقة المعيشية والإقتصادية، وأغلبية هؤلاء الشباب مسؤولون عن أسرى يعولونها بقدر إستطاعتهم وحسب السبل والوسائل المتاحة لهم.

أما إنتفاضة يناير 2018 هي لم تكن إنتفاضة بالمعنى المعروف لدى الجميع بل كانت عبارة عن مسيرة ووقفة مرخصة من قبل الدولة وجهاز أمنها حيث قدمت فيها مذكرة للنظام تحمل قائمة متطلبات إحتجاجاً على موضوع الميزانية والغلاء آنذاك.
وكانت المسيرتان حينها منظمتان من قبل حزب الأمة والحزب الشيوعي، وصحيح آنذاك كانت هناك إعتقالات تخصصت في شريحة الشباب المستقلة بإعتبارها الشريحة الأكثر فعالية وحماسة ومصداقية ، وفي نفس الوقت تعتبر الشريحة الأسهل أصطياداً لأنهم لا يجدون من يتولى قضاياهم عند إعتقالهم، وليس لديهم علاقات بالأسرة الدولية ومنظماتها التي يمكن أن تلعب دور مهم في الضغط على الحكومة والدفاع عن حقوقهم، فقط الأحزاب وغيرها من القوى السياسية تملأ بهم قائمة الضحايا التي ترفع لمراكز القرار الدولية للضغط على الحكومة وفرض مزيد من العقوبات الأمر الذي يضعف موقف الحكومة ويقوى الجانب المعارض.

كما أن الإعلام الداخلي والخارجي لا يعرف هذه الشريحة الشبابية التي تسقط في قبضة الأمن السوداني ولا يسعى للبحث عنهم والتوثيق لمعاناتهم وللإنتهاكات التي يتعرضون لها، وكذلك تسليط الضوء على ما يقومون به من إنجازات تنسب في النهاية لتماسيح وثعالب السياسية الكبار، وهؤلاء الضحايا من شرائح الشباب وغيرهم من الشرائح الضعيفه المجهولة بعد إنتهاء الأحداث لا يذكرهم أحداً ولا يعرف لهم موقعاً، وهذا ما شكت منه والدة إحدى المعتقلات الشباب التي وثقت لها في فترة إعتقالات يناير 2018.

أما قادة المعارضة فقد طالتهم أيضاً الإعتقالات في فترة الإنتفاضات السابقة والحاضرة، ولكن عادةً ما يكون إعتقالهم مؤقت ومن غير أضرار وخيمة تذكر فقد سبق أن وثقت لمن طالتهم الإعتقالات، والحكومة وجهاز أمنها يعتبرون أن قادة القوى السياسية خطوط حمراء يجب التعامل معهم في حدود وحذر فهم معروفون لدى الإعلام ولدى العالم الدولي والمنظمات ولهم علاقتهم الواسعة، أي بمعنى آخر ظهرهم مسنود وبناءاً على ذلك تعامل جهاز الأمن معهم يكون مختلف تماماً عن تعامله مع شرائح الشباب المناضلة وغير المعروفة إعلامياً ولا دولياً ولا تمتع بعلاقات خارجية ودولية من شأنها أن تسند ظهرها وتقوى ساعدها .

أما الإعتقالات وسط الناشطين السياسيين وخاصةً الإعلاميين تكون مسيسة بشكل كبير فالمعروف أن في السودان الإعتقال يعتبر رصيد نضالي وشعبي وسياسي لذلك أحياناً هناك من يسعى له سعياً ويبحث بنفسه عن الإعتقال، كما أن هناك حملات إعتقال مسيسة ومدبرة أحياناً من جهاز أمن الحكومة بتعليمات وسياسات متبعة منها حتى تصنع من شخصيات إعلامية وسياسية وبعض النشطاء أبطالاً تذرعهم وسط المناضلين حتى ينالون ثقتهم ويجدوا الترويج الإعلامي الكافي لتنفيذ المخطط .

فأحياناً عندما يسمع المواطن السوداني أنه تم إعتقال فلان يتساءل المواطن: ماذا فعل؟ ما هوالدور الثوري والنضالي العظيم والشجاع الذي قام به؟ أوما هوالأمر الظاهر الواضح الذي قام به تجاه الحكومة فأضر بها وبسياساتها؟ أوكيف كشفها وعراها؟ وعندما يحاول الإنسان التحقق في الموضوع يجد أنه للأسف ليس هناك شئ يذكر، وهذه بالطبع إحدى سياسات النظام الأمني المستخدمة عند الإنتفاضات الشعبية.

أما أساليب الأجهزة الأمنية الأخرى المتبعة لإجهاض الإنتفاضات الشعبية التي تشعر فيها بخطر على وجودها فهي تكون عادةً في التقليل من شأن المطالب التي خرجها من أجلها الشعب، أووصف المتظاهرين بالمنافقين، الدجاليين، المرقه، المتمردين، المتآمرين على الشعب، أو منفذيي الاجندة الخارجية، وقادة المؤامرات الصهيونية والإمبريالية ضد السودان، وكذلك يكون أحياناً الحديث عن أستهداف دولي، ومؤامرات خفية، وهذا ما سمعناه في خطاب رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني صلاح قوش، ورئيسه الفريق عمر حسن البشير.

وفي ذات السياق من الوسائل والطرق اللاإنسانية المستخدمة من قبل الأجهزة الأمنية حيال المتظاهرين هي إستخدام العنف المفرط، مروراً بإطلاق البمبان، ووصولاً إلى إطلاق الرصاص الحى على الشعب الأعزل الذي سقط ضحاياه العديد من الجرحى والقتلى، وإستعمال سياسية الترعيب والتخويف والتهديد والإيقاف والسجن لمن حاولوا التوثيق للإنتهاكات اللاإنسانية التي تدين النظام وجهاز أمنه وأغلبية من وثق لهذه المشاهد الحيه عن طريق التكنولوجيا الحديثة من تلفونات ونشر في الفيس بوك وقروبات الواتساب وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي من قام بذلك كانوا من عامة الشعب الذي خلق منصة إعلامه المستقلة غير المسيسة التي تحتضن جميع ألوان الطيف السياسية والفكرية من غير إقصاء، وهذا النوع من التوثيق الحي للإنتهاكات بالفعل يفضح إنتهاكات النظام ويأزم من موقفه دولياً وهومازال رهيناً لقائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفعت العقوبات عنه جزئياً وليس كلياً.

وإذا تطلب الأمر التحدث عن مؤامرة فأن المؤامرة الحقيقية هي ليست ضد النظام السوداني، ولكن تلك التي تحاك ضد الشعب السوداني الأعزل الذي تآمرت عليه الدول العربية الشقيقة صاحبة الأجندة وإعلامها المضلل.
حيث قوبلت المظاهرات السودانية بحالة صمت دولي وعربي على حد سواء مثير للإستعحاب والشك، ولكن في نفس الوقت كانت هناك قلة سعت للبحث عن الحقائق، حتى وإن لم توفق أحياناً في رصد الحقائق ونقل الأخبار بكل شفافية ومصداقية، وتارة يطغى الطابع المسيس والمرتزق في ذات الوقت على بعض المراسلين، وعلى من يعمل على تجميع ونقل الأخبار للقنوات الفضائية، فنادراً ما يتم نقل وعكس المعلومة بكل شفافية ومصداقية وحياد.
ويتجلى من جانب آخر تآمر بعض الدول الشقيقة التي طالما حاولت أنظمتها وليس شعبها إجهاض الديمقراطية في السودان فكان نظام مصر في المقدمة، حيث شهدت الخرطوم عاصمة السودان مؤخراً زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس المخابرات العامة عباس كامل فكان ظاهر الزيارة دعم إطار التواصل الدائم بين البلدين في كافة المستويات، وتعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها ولكن باطن الأمور هو تعاون ودعم مصر الإستخباراتي للسودان لإخماد الإنتفاضة وإجهاض فرص إحداث ديمقراطية في السودان، خاصةً وأن جهاز الأمن والإستخبارات المصري خاض تجربة الربيع العربي في مصر كما أنه يعرف طبيعية الشعب السوداني وكيفية التعامل معه.

فمن المعلوم أن ليس من مصلحة الأنظمة المصرية على مر السنين وجود حكم ديمقراطي في السودان فكلما كان نظام السودان ضعيف كالنظام الحالي المهدد دولياً، ومطارد جنائيا، ومتهم بالفساد المالي والإداري، ومرفوض شعبياً، وعلاقته الدولية والخارجية سيئة يصب ذلك في مصلحة الأنظمة المصرية، التي سوف تتمكن من إبتزازه بكل سهولة، وتنفيذ أجندتها، وإستغلاله ، والدليل على ذلك قضية حلايب وشلاتين الأراضي السودانية التي إقتلعتها الأنظمة المصرية وأحتلتها نهاراً جهارا وصمت النظام السوداني حيال هذا التعدي منذ عهد حسني مبارك، الذي أعتبر أن السكوت عن حلايب وشلاتين هوالثمن الذي يجب أن يدفعه النظام السوداني في الإتهامات التي وجهت إليه والإثيوبيين في التورط في محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك ، وحلايب وشلاتين ليستا التضحيات الوحيدة التي قدمها السودان فالأن الباب مفتوحاً للأنظمة المصرية لإبتزاز النظام فيما يتعلق بملفات المياه، وسد النهضة، والملفات الإقتصادية، خاصة بعد أن قرر السودان فك الحصار عن إستيراد المنتجات المصرية خاصةً الغذائية ومنها الخضروات والفواكه بجميع أنواعها التي كشفت الرقابة الصحية اضرارها على صحة المواطن السوداني والمصري نظراً لعدم إستخدام الأساليب الصحيحة والخالية من المخاطر في الزراعة والري… إلخ.
إلى جانب خوف مصر من أن تنتقل روح الإنتفاضة الشعبية من السودان إلى مصر فالبلدين الشقيقين يربطهما تاريخ سياسي مشترك واقتصادي وأمني وإجتماعي ويتأثر كل منهما بما يحدث عند الآخر.

كاتبة سودانية

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.