عبدالله جعفر: ما حصل كنت مصمّم على ضرورة رحيل النظام دا زي أمس وأنا محتجز في جهاز الأمن!

كتب المهندس عبدالله جعفر ، أول الشهادة السودانية للعام 1996 عقب اعتقاله واطلاقه سراحه يوم أمس قائلا :

 

حكومة ماسكة البلد بلطجة .. #تسقط_بس

ما حصل كنت مصمّم على ضرورة رحيل النظام دا زي أمس وأنا محتجز في جهاز الأمن!
ح أحكي وقائع اعتقالي، وبعدين أعلّق عليها؛
وصلتا المحطّة الوسطى على الميعاد الساعة ١٢:٥٥؛
قومة الموكب كانت مهيبة بمعنى الكلمة ?؛
المجموعة الكنت فيها اتجهت نحو شارع شمبات؛
لاقيت محمّد ومؤمن أولاد حلّتنا زمان؛
لقينا عربات الشرطة قافلة الشارع، وبدت تضرب في البنبان بكثافة؛
الناس اتفرّقت ودخلت على الأحياء؛
وأنا كنت ضمن مجموعة كبيرة فتحت ليها الباب سيّدة فضلى؛
بعد شويّة البلطجيّة ديل (ما عندي اسم تاني، بالنظر لسلوكهم) بقوا بخبّتوا في الأبواب؛
الشباب اتلمّوا وبقوا حارسين الباب، وديلك بشلّتوا في الباب بعنف ويهدّدوا ويتوعّدوا؛
في النهاية ست البيت أشارت للشباب الحارسين الباب يدخلوا جوّة من البرندة ويقفلوا الباب، وطلعت هي فتحت باب الشارع شان تحاول تتفاهم مع الناس ديل؛
وطبعا ناس ما عندهم تفاهم، فدخلوا بقوا يخبّتوا في الباب الجوة، والشباب متدافعين شان يقفلوا الباب؛
في النهاية كسروا الباب الحديد!
قبل ما أواصل ح أقول دا براااااو سبب كافي لضرورة رحيل النظام دا: دي ما حكومة، دي بلطجة بس!
الناس استسلمت وبدوا يطلعوا واحد واحد؛
لحدّي ما وصلتا البوكس أنا كنتا محاول أتفاهم مع الزول القايدني، واللي كان بسمع نسبيّا، محاول أقنعه يسيبوا البنات؛
كنتا حالم شديد طبعا!
المهم، لمن وصلتا البوكس وركبتا، وأنا لسّة بتكلّم مع داك، فجأة لقيت واحد بيضربني بالخرطوش الأسود في راسي بكل قوّته؛
لسبب ما لا أفهمه، لقيت نفسي فاقد الإحساس بالألم تمااااما؛
ما عارف دا العمر وللا التفكير العميق وللا شنو ?، لكن بالجد ظاهرة تستحق الدراسة، يشهد الله ما شعرت بأيّ ألم!
الحاجة دي ما كانت في صالحي شديد؛
لأنّي اتلفتّا على الزول وبقيت أعاين ليو بنظرة بلهاء كدا من شدّة الدهشة في الحاجة العملها؛
أها نظرتي دي خلّت الزول دا يتهيّج بصورة مبالغ فيها: ما تعاين لي، ما تعاين لي، …
ومع كلّ جملة بيضربني بالخرطوش في راسي بأقصى ما أوتي من قوّة؛
وأنا لسّة مندهش وبعاين ليو، ولي نضّارته الوقعت من شدّة الانفعال؛
ما عدّيت ضربني في راسي كم مرّة، لكن ما أقل من سبعة؛
بينما زملاه بيقولوا: دا عامل فيها راسه كبير؛
في النهاية ابتديت أوعى بي إنّه دا راسي أنا البيخبّتوا فيو دا؛
وإنّه الزول دا خارج عن طوره ووعيه، وممكن يسبّب لي أذى؛
فقمتا صرفت نظري عنّه.

وصلنا مباني جهاز الأمن ونزّلونا من البكاسي، والبلطجيّة واقفين كتااار منتظرين، وكلّ واحد بيدّيك شحطة بالخرطوش، والبعده بيستجمع كلّ قوّته لمن يشوفك ما جريت؛
وأنا مازلت ما شاعر بي ضربهم دا؛
كلّ الكنت شاعر بيو غضب ما عادي!
دخلنا جوّة وقعّدونا للفرز؛
في قعدتنا ديك واحد ضربني في ضهري بي حاجة قويّة كدا ما خرطوش؛
أظنّها ياها الخلّفت الورم الفي ضهري دا [١]؛
شفت يدّي قدّام عيني بترجف لا شعوريّا من الريفلكس بتاع الضربة، لكن ما كنت حاسّي بيها؛
بقول الكلام دا على أمل يشجّع الناس ما يخافوا من الترهيب دا؛

فرزوني في البداية مع المهنيين؛
وبعدين لسبب لا أعرفه فرزوني كوم براي؛
في قعدتي دي تعاقبوا على ناس كتار شديد بي أسئلتهم البرّاية دي؛
اسمك، شغّال وين، قبضوك وين، ساكن وين؛
ما حاولتا أنكر إني طلعتا أتظاهر، رغم إنّي ما بالضرورة بنصح غيري يعملوا كدا؛
الناس البيجي يسألوا ديل فيهم المستفز وفيهم اللي بدا عليه بعض اللطف؛
بوجه خاص فيه واحد اتكلّم معاي باحترام شديد، ونصحني ما أناقش أفكاري بحسن نيّة بعدين في التحقيق؛
لفت نظري برضو اتنين وقفوا فوقي شكلهم ضبّاط، وسألوني من الكدمات الفي راسي، وبعدين زي واحد علّق للتاني إنّه الحاجة دي ما صاح؛
لكن نفس العلّق دا غايتو ما كان لطيف لمن ودّونا نجيلتهم ديك؛ ما عارف هل عندهم تعليمات يظهروا أسوأ ما عندهم وللا شنو؛

أهم مشهد حصل في قعدتي دي؛
جا واحد يحمل وجه الكوز الكلاسيكي، وبدا يسألني فكرتك شنو ورايك شنو، وبديت أناقشه؛
باله للنقاش كان قصيّر جدّا، وقام قلب وشّه؛
قال لي أرقد على بطنك؛
رقدتا وأنا محاول أتخيّل فكرته شنو؛
قال لي أزحف؛
فضلتا في مكاني؛
استجمع قوّته وضربني بالخرطوش الفي يدّه، وكرّر طلبه؛
للمرّة العاشرة، كان كأنّه خبت الكرتونة الجنبي، ما حسّيت بأيّ ألم؛
ضربني تاني، وكان واضح إنّه اتضايق شديد؛
(يا دوب عرفتا ليه زمان علّمونا ناكل الجلد [٢] ?)
بعدين جا زميله همس في أذنه فوقّف؛
قالوا لي أمشي أقيف جنب العامود داك؛
بعد مسافة جا الراجل تاني وبدا يتكلّم معاي، فقلتا ليو إنتا قفلتا باب التفاهم؛
أبدى عدم تشاغله ومشى، لكن تاني حرقته ورجع وبدا يتكلّم معاي؛
اتناقشنا مسافة المرّة دي؛
وبعدين اعتذر لي من السوطين، ونادى واحد قال ليو أدّيني السوط دا، وقال لي أخلص السوطين؛
ممكن يكون كمين طبعا، حركات العساكر ديك ??‍♂️؛
على كلّ حال شرحتا ليو إنّي ما عندي معاه موضوع أصلا، ولا ح أنتقم، يشتغل شغله؛
شبكني أعفي لي ومش عارف؛
اتواصل النقاش، وأنا ما كنت مستمتع، لكن كان أرحم لي من ملل الانتظار؛
لحدّي ما كلامي ما عجبه تاني؛
فقال لي أنا كنتا ماسكك شان ما كلّ شويّة يجي واحد تاني يبرمج بيك، لكن خلاص أكل نارك؛
أو كما قال!

بعد داك ودّونا النجيلة البرّة وسجّلوا أسامينا؛
ما كان فيه حاجة كدا جديرة بالذكر، تسجيل أسامي مع جر هوا؛
عدا إنّه واحد منّهم فرز ليو شاب بالإسم، تقريبا اسمه ماهر، وكان بيقول ليو نحنا بنفتّش ليك الليلة جيتنا براك؟!
الشاب بدا شجاع وكوول بي صورة تشرح الصدر ?؛
الغالبيّة العظمى من الناس الحايمين كانوا بيتباروا في الفظاظة!

زي الساعة ٩ دخّلونا المبنى شحطونا في ممر كدا، وبدوا يدخّلوا الناس للتحقيق؛
الحاجة الفهمناها إنّه التحقيق دا آخر حاجة، وبعدين بيطلّعوك لو ما عندهم ليك حاجة؛
واللي هو المسار الكنتا ماشّي عليو، باعتبار إنّي صنّفوني “كتمة عامّة” على حد تعبير واحد وصف الكوم الكنت فيو؛
لمن منتظرين في الممر جا واحد قال لي والله طلعتوا قويين عديييل، جبتوا لينا صلاح قوش!
يبدو إنّه قام بزيارة للمكتب، حسب تعليق أكتر من واحد؛

لحكمة لا أعلمها فضلتا أنا ومعاي اتنين ما حقّقوا معانا لحدّي الساعة ١٢ نص الليل!
لو كنتا داير أعمل بطولة كنت ح أحذف الجزو التالي؛
ورغم إنّه ممكن يكون محبط شويّة للناس الاعتبروني بطل، لكن فيه عبرة مهمّة شديد، ماشّة مع الكلام الكنتا بقوله في البوستات الفاتت؛
الحصل إنّه فجأة لقيت زول وقف جنبي وسلّم علي؛
طلع زميل دراسة أنا عارفه شغّال في جهاز الأمن؛
جا مارّي بالصدفة وشافني؛
(في الصالة قبيل برضو واحد سلّم علي قال لي يا هندسة الجابك هنا شنو، بس أنا ما فرزته)
بصراحة شلت الهم لمن لاقيت دا أو داك، لأنّه لو الناس ديل فرزوني بالإسم وربطوا بالكلام البكتبه والعلم المعلّقه ح يكون فلم؛
ح يقولوا لي جيتنا براااك زي ماهر ?؛

في البداية الزول البعرفه اكتفى بي إنّه يطمّني إنّه خلاص ح يطّلعونا بعد التحقيق دا؛
لكن تاني شكله قرّر يستعجل الموضوع أكتر فمشى اتكلّم مع واحد زميله؛
الزميل دا جا قال لي إنتا ولد بروف جعفر ميرغني، أبوك ياخ راجل علّامة؛
(للتوضيح، الوالد كان عنده برنامج إذاعي عنده شعبيّة واسعة شديد)
جابوا لي كرسي قعّدوني، واتونّسوا معاي شويّة؛
وبعدين اتجاوزوا التحقيق وقالوا لي فكّيناك عشان خاطر البروف، لكن تاني ما تجينا عليك الله؛

متين يجي يوم يكرموني لمجرّد إنّي مواطن سوداني؟
أو ما يقبضوني من أساسه!

أنا قلتا فيه عبرة مهمّة في الجزئيّة دي؛ ما هي؟
إنّه ناس الأمن، والكيزان، وأنصار النظام، كلّهم جزو من النسيج الاجتماعي، وعايشين وسط الناس، ودا هو المفتاح لهزيمة النظام دا؛
خلّونا نناقش بالتفصيل أكتر ..

• ما تعاين لي!
الكلمة دي سمعتها أمس زي ٢٠ مرّة؛
بيقولها أيّ واحد في العساكر ديل لمن عينه تقع في عين واحد من المعتقلين؛
يبدو إنّه نظرتي في عين الزول الكان بيضربني في راسي داك كانت أكثر إيلاما له من السياط؛
ماف زول شر مطلق؛
وفي روايتي ماف شر ذاته [٣]؛
العسكري المتوحّش دا، وللا الكوز المجرم، وللا النفعي الأناني، ح يفضلوا برضو شايلين جوّاهم نفس القيم الكلّنا شايلينّها، دايرين يحسّوا بي روحهم كويسين قدّام أهلهم وزوجاتهم وأولادهم وأصحابهم؛
الناس الكانوا بيدقّوا فينا أمس ديل عارفين روحهم مخطئين ونحن أصحاب حق، مهما حاولوا يبرّروا لروحهم بالاعتبارات الأمنية اللي هم شايفينّها.

• اختر ميدانك
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر
للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما
والناذرين إذا لم القهما دمي
أو كما قال عنترة؛
الشاهد في الأبيات إنّه عنترة، وابني ضمضم الناوي ليهم ديل، ممكن يتلاقوا عادي في الأسواق والحانات؛
لكن هو داير يلاقيهم في ميدان معركة شان يقدر ينازلهم؛
بتاع الأمن داير يلاقي الزيي دا في مظاهرة شان ينكّل بيو؛
لكن أنا بالمقابل راجيو في ميادين المجتمع؛
و”أنا” هنا بتعني أي زول واقف مع الحق ورافع راية #تسقط_بس؛

• وبعد!
بعد الانحطاط الشفته أمس دا في مستوى تعامل الدولة، ح أحمّل أيّ زول مساند النظام دا، مننن الناس الشاركوا فيو، مرورا بي ناس “البديل منو”، ولحدّي المساند بالحياد السلبي، بحمّلهم كلّهم مسئوليّة الانحطاط النحن عايشين فيو دا؛
ما بدعو لمقاطعتهم، بل لمواجهتم بأنّهم ناس باعوا ضمايرهم؛
كلّ زول يضغط البلقاهم جنبه: جيرانك، أهلك، أصحابك، من البيشاركوا في خلق قبول لهذا النظام؛

• رسالة مفتوحة
خلّوني أبدا أنا حاضر كدا هنا، فييي عقاب البوست دا، بتوجيه رسالة لأستاذة درّستني، بكن ليها معزّة كبيرة، يشهد الله، لكن لوّثت يديها بالمشاركة في هذا النظام، ومن ثمّ الدفاع عنه؛
بدعوك يا دكتورة تقرّي بخطأك في المشاركة في النظام دا، وتعلني براءتك منّه؛
وزي كلامي مع الزول الطلب منّي أقتص منّه، فأنا ما ح ألومك على أيّ حاجة عملتيها، بقدر ما ح ألومك على حاجة في يدّك ممكن تساهم في زوال النظام د، وأخدتك العزّة بالإثم ما تعمليها؛
اشتري راحة ضميرك، وصدّقيني ح يجي يوم تشكريني على نصيحتي دي؛

ختاما بشكر كل الناس السألوا منّي وشالوا همّي؛
معا نكمل المشوار بإذن الله تعالى؛

محبّتي ?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.