معالي الوزير!! : عثمان ميرغني

لماذا يتنافسُ الساسة على منصب الوزير؟ الإجابة سهلة.. لأنَّ منصب الوزير يعني تلقائياً (مشروع ملياردير).. فالوزير بقدرما لا تشترط فيه مؤهلات الكفاءة لكنه قادر بالقلم الأخضر، على تحريك أموال هائلة تحت سلطته.. وغالباً بلا رقابة أو محاسبة..

والأستاذ الجامعي في أعلى درجة، قد ينفق عمره كله في التدريس والأبحاث والإشراف على طلاب الدراسات العليا ولا يتقاضى أجراً يسدُّ الرمقَ .. بينما الوزير الذي ربما بالكاد عثر على شهادة أكاديمية (في غفلة رقيبي).. ولم يحك عقله قط.. أو ربما كانت كل مؤهلاته أنه حمل البندقية يوماً ضد الحكومة، فأنجز النصاب القانوني من سفك دماء السودانيين وتدمير ممتلكاتهم العامة والخاصة.. لينال بعد ذلك في قسمة السلطة والثروة منصباً وزارياً مدفوع القيمة من حر مال فقر شعبنا المدقع..

في (الجمهورية الثانية).. نحتاج إلى نزع الدسم من منصب الوزير.. بإصلاحات واضحة وصريحة كالتالي:
تنتهي السلطة التنفيذية في أية وزارة عند مستوى (وكيل الوزارة) ولا يحق للوزير مطلقاً التدخل في العمل التنفيذي، ويصبح الوزير مجرد منصب سياسي يمثل الوزارة في مجلس الوزراء.. وبهذا الفهم فإنَّ مجلس الوزراء يتكون من عدد محدود من الوزراء.. لأنَّ القرارات الحقيقية تصنعُ في مستوى أدنى، لكنها ترفع عن طريق الوزير الممثل للوزارة..

و(وكيل الوزارة) ليس منصباً مفرداً لشخص واحد.. (وكيل الوزارة) درجة وظيفية ينالها كل من استحقها بسنوات الخبرة والترقي الطبيعية.. فيجوز بذلك أن يكون في الوزارة أكثر من وكيل (بحكم الدرجة الوظيفية).. لكن مع توزيع الاختصاصات عليهم. ولا حاجة بالطبع لما يُسمى بـ(وزير الدولة).. فمثلاً وزارة الطاقة .. لها وزير واحد.. وخمسة وكلاء وزارة.. وكيل لكل من.. النفط.. والكهرباء.. والطاقة المتجددة..
وزارة التخطيط.. وزير واحد .. وثلاثة وكلاء لـ؛ المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي- الجهاز المركزي للإحصاء- المركز القومي للمعلومات.
وزارة النقل والطرق والجسور.. وزير واحد.. وستة وكلاء لـ؛ الطيران المدني – الطرق – الجسور – النقل البحري- النقل النهري- السكك الحديدية.
وزارة التعليم؛ وزير واحد وأربعة وكلاء لـ؛ التعليم العام، التعليم العالي، البحوث، المناهج.
وهكذا.. أقل عدد من الوزراء، وأفضل عدد من المتخصصين والخبراء لتولي سنام العمل التنفيذي في مستوى (وكيل الوزارة) حسب التخصص.

من خلال مشاركتي في ثلاث جلسات لاجتماع مجلس الوزراء القومي.. واحدة في دورة الفريق أول بكري حسن صالح.. واثنتان في دورة السيد معتز موسى.. لفت نظري أنَّ (اجتماع مجلس الوزراء القومي) هو في الحقيقة (ندوة) يشارك فيها كل وزير بصفته الشخصية.. فالوزير لا يستصحب رأي الخبراء في وزارته فتكون إفادته مجرد انطباعاته أو رأيه الخاص.. فمثلاً في اجتماع لمجلس الوزراء حول (توطين صناعة الدواء) تحدث الوزير بحر أبو قردة من حكم تخصصه السابق في وزارة الصحة.. بينما هو في المجلس وزيراً للعمل.. وتحدث السيد بشارة جمعة أرور وزير الإعلام عن (الثروة الحيوانية) من واقع تخصصه السابق.. وهكذا.. كان واضحاً أنَّ الوزير هنا بصفته الشخصية..

في (الجمهورية الثانية) الوزير لا يحمل إلى قاعة اجتماع مجلس الوزراء إلا رأي وإفادة وزارته الذي أعده الجهاز التنفيذي في الوزارة.. فهو مجرد ممثل للوزارة لا لشخصه.. وتنتفي الحاجة للاعتداد بخبرته أو (حنكه بلغة الراندوك).. ويصبح وجود عشرة فقط من الوزراء في مجلس الوزراء القومي هو تخليص لجيوش من الخبراء والمختصين يصنعون القرار بكل حنكة ودربة..

وتنتهي حكاية أن يأتي كل وزير حاملاً خطته الخاصة وما أن يذهب حتى تُطوى معه.. فالهيكلة الجديدة ترسخ (المؤسسية) التي تضمن الاستقرار واستمرار الخطط والإستراتيجية..
أرأيتم؟ الأمر أكثر من مجرد إبدال وإحلال في النظم السياسية.. نحن في حاجة لإعلان (الجمهورية الثانية).

 

 

التيار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.