تضحك بس – هنادي الصديق

. فلو كان الرئيس يعلم كل ذلك وصامت، فتلك مصيبة، ولو كان لا يعلم فالمصيبة أعظم
______

إجتماعات ولقاءات تتم داخل القصر الرئاسي بين من يُطلقون على انفسهم (قادة العمل الصحفي)، وهم في حقيقتهم قادة صحافة النظام، فقد نقلت وكالة السودان للأنباء (سونا)، لقاء رئيس الجمهورية بالقصر الجمهوري، برئيس الاتحاد العام للصحفيين السودانيين الصادق الرزيقي، حيث اكد الرئيس من خلاله دعمه للصحافة والصحفيين وتحسين بيئة العمل الإعلامي ودعم الجهود الاجتماعية في المؤسسات الإعلامية من أجل صحافة قوية ومستقرة للمساهمة في مشروع بناء الوطن واستقراره، داعيا الى دعمه لحرية العمل الإعلامي ودعم التشريعات التي من شأنها الارتقاء بالصحافة والمؤسسات الإعلامية وتمكينها من أداء دورها وواجباتها الوطنية.
عقب هذا الرسمي نصدق من ونكذب مين؟ أين هي حرية العمل الصحفي التي يتحدث عنها الرئيس؟ هل هي الحرية التي تقبل بإعتقال 27 صحفيا وصحفية (عُزَل) ونقلهم (كالخراف) في البكاسي المفتوحة والحافلات الضيقة مغلقة النوافذ التي ينعدم فيها الأوكسجين لتلقي بهم في مباني الامن السياسي؟ وهل تعني أن يتم إذلال هؤلاء الصحافيين وإجلاسهم على الارض رجالا ونساءا في أبشع إنتهاك لآدميتهم ومهنتهم الرسالية؟ وهل مشروع بناء الوطن من خلال الاعلام الذي تحدث عنه الرئيس، يعني إعتراض طريقهم بل وإعتقالهم لمجرد رغبتهم في تسليم مذكرة تطالب بوقف الرقابة على الصحيفة والسماح لها بالصدور؟ وهل يعلم الرزيقي الذي يتحدث بإسم الصحافيين ورئيس الجمهورية أن السماح بصدور الجريدة ووقف الرقابة عليها لا يخرج من حديثهما معا بضرورة تحسين الأوضاع الإجتماعية للصحفيين؟ وأنه متى ما تكررت مصادرة الصحيفة فإن هذا يعني تشريد عشرات الأُسر التي تعيشها الجريدة؟

فلو كان الرئيس يعلم كل ذلك وصامت، فتلك مصيبة، ولو كان لا يعلم فالمصيبة أعظم.
مسرحية لقاء الرزيقي مع رئيس الجمهورية وتمثيل دور الحامي والوصي على الصحافة والصحافيين ينبغي ان نطلق عليها إسم (تضحك بس). فالواقع ان ما يحدث يجلب على الضحك والحزن في آن واحد، صحافيون يمارسون مهنتهم بكل مهنية وشجاعة ويطالبون بأبسط حقوقهم التي كفلها القانون والدستور، يُعاملون كالمجرمين وقطَاع الطرق، يصلبون وقوفا ووجوههم على الحائط، ثم يتم إجبارهم على الجلوس أرضا، وبعد عدة ساعات يتم إجلاسهم على كراسي ظنا من الجلاد ان ذلك سيمنعهم الحديث عن سوء المعاملة، وعن ما يتم من إنتهاكات شاهدوها في المعتقل سيئ السمعة.

الرزيقي الذي يتحدث عن إهتمامه بالصحافيين ويرفع التمام لرئيس الجمهورية الحاضر الغائب بأن (كله في محله)، حضر لنا بالمعتقل (مهندما وعلى سنجة 10) بعد 6 ساعات كاملة من نقل الوكالات والقنوات خبر الإعتقال، ليبادر بسؤالنا فور دخوله مبتسما (كويس أدوكم غداء)، في الوقت الذي إنتظرنا فيه مبادرته بتقديم الإعتذار والإستفسار عن صحتنا وما إن كنا قد تعرضنا لمعاملة سيئة من قبل أفراد الجهاز، او كنا نعاني من اي إشكالات منذ دخولنا المعتقل، أو حتى ليعتذر لحرائر الصحافة السودانية من تأخيره في الحضور لنا ومؤازرتنا، ولكن كل ذلك لم يحدث، ليختفي ساعة كاملة مع وفده ومسؤولي الجهاز قبل ان يحضر مسرورا معلنا إنتهاء المفاوضات بإطلاق سراحنا.

لم يخاطبنا كما يجب ان يفعل من هو في مقامه، ولم يصدر إتحاده بيان شجب أو إدانة لجهاز أمن النظام، ولم يبدو عليه الألم على ما حدث لنا.
الإطالة في هذا الحديث اشبه بالضرب على الميت، فالإتحاد الذي لم يأت برغبة وأصوات اهل المهنة الحقيقيون مؤكد لن يأت لنا بمن يحمل مسؤولية شرف الكلمة والمهنة ورساليتها.
غدا نواصل

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.