جولة من الخرطوم إلى قري كشفت المستور

حوادث الغرق موت مع سبق الإصرار.. وإنتحار تحت مظلة الترفيه
الخرطوم: منال عبد الله
لا يكاد يخلو يوم من مصرع شخص غرقاً أو أشخاص في مياه النيل سواء بالعاصمة أو الولايات، فالإحصائيات للأشهر الأخيرة تدعو للقلق إلى حد كبير، والمتابع لتلك الحوادث يكاد يجزم أن النيل قبالة كل المنازل وليست هو القبلة التي يتوجه إليها الناس من أماكن وإن قصرت أو بعدت ليلقوا مصرعهم غرقاً, فما بين الإصرار على السباحة في مياه النيل من قبل الصغار والكبار, وبين الإجراءات المنعية التي تتخذها قوات شرطة الدفاع المدني على الشواطئ, رصدت (السياسي) في جولة على طول النيل من الخرطوم وحتى قري حقيقة الموقف قبل أن يكشف اللواء هاشم حسين عبد المجيد مدير الإدارة العامة للدفاع المدني للصحيفة عن رفع درجة الإستعداد القصوى والإجراءات المنعية لفرق الإنقاذ النهري لمراقبة الشواطئ والأماكن التي يرتادها المواطنون على طول مجرى النيل درءاً لحوادث الغرق.

دوافع وأسباب
على شاطئ النيل قبالة منطقة الغابة بالخرطوم المشهد قد يشير إلى أن اليوم عطلة عامة نسبة لأن المتواجدين بالمكان من فئات عمرية مختلفة ولكن الغالب عليها الشباب وبأعداد كبيرة منتشرين على طول الشريط النيلي وأعداد ضخمة أيضاً من السيارات أحضرت للمكان بغرض غسلها من قبل أصحابها, فاليوم يوم عمل رسمي ولكن أرجع عدد من الأشخاص تواجدهم بالقرب من النيل بسبب (سخانة الجو) وأنهم حضروا للترفيه وأن السباحة في المياه ضرورة فرضتها الأجواء الساخنة ولا شيء يمنعهم من ممارستها.. فيما أكد أحدهم أنه لا يجيدها ولكنه يتدرب في كل مرة ويشاهد من يسبحون وإستبعد وجود أي خطر على حياته حال دخوله المياه.

عودة إلى الحياة
وفي شاطئ النيل قبالة منطقة الشجرة بالخرطوم هناك إنتشار كبير أيضاً للمواطنين ومعظمهم من الأطفال في أعمار صغيرة جداً عندما يشاهدون الزوارق التي تجري بها أفراد قوات شرطة الدفاع المدني عملية التمشيط يسارعون بالخروج من المياه.. ورصدت (السياسي) تمنع ورفض بعض الشباب في الخروج من المياه، وسيدة تحفز بنتها على السباحة في النيل والتي لا يتجاوز عمرها الـ(12) عاماً بعدما جردتها من جزء من ملابسها شارعة في دخول المياه ولا تدري أنها تدفع بها إلى التهلكة, وفيما إنصاعت البنت إلى توجيهات أفراد الشرطة بالخروج من الماء رفضت الأم وظلت واقفة في مكانها فترة ليست بالقصيرة من الزمن وهي تمني نفسها بإعادة إبنتها إلى الماء, ولكنها وجدت أنه لا مناص من مغادرة المكان والتراجع عن الفكرة في ظل وجود إرتكاز لزورق الإنقاذ النهري بالمنطقة وتمشيط تقوم به زوارق أُخر ذهاباً وإياباً.
ووقفت (السياسي) على حالة شاب شارف على الموت غرقاً داخل النيل قبالة منطقة (ود عجيب) والذي تمكنت قوات الإنقاذ النهري من إنتشاله في اللحظات الأخيرة وهو يرتعد وغير قادر على التنفس ليتشبث بالطرف الأخير من القارب الخاص بالقوات حتى تم إيصاله إلى بر الأمان.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يأخذ هذا الشاب ما حدث له من باب العظة والعبرة ويترك السباحة في النيل حتى مسافات بعيدة؟.

الإنتحار في عرض البحر
وفي حادثة أخرى ولكن هذه المرة تعمد شاب القفز من أعلى الكوبري ببحري قاصداً الإنتحار، غير أن أيامه في هذه الدنيا لم تنتهِ، بعدما سقط في الماء شاءت الأقدار أن تكون العبارة الخاصة بالشرطة تحت الكوبري مباشرة ليسارع أفرادها في إنتشاله على الفور, ليدفع الشاب بأن خلافات مع والدته في المنزل هي التي قادته للإقدام على الإنتحار غرقاً.
ونجت فتاة أيضاً في عشرينيات العمر من الموت بإعجوبة بعد أن قفزت من أعلى كوبري النيل الأبيض مساءً، متعمدة الإنتحار غرقاً, ولكن أفراد من قوات الدفاع المدني كانوا يجرون بعض التدريبات تحت الكوبري تمكنوا من إنتشالها وإخراجها إلى بر الأمان لتكشف بعد ذلك أنها أقدمت على الخطوة بعد أن رفض شاب الزواج منها وهي على علاقة عاطفية به لأكثر من (6) سنوات متتالية.

موت بالجملة
في نهاية شهر مارس غرق طالب يبلغ من العمر (18) عاماً في النيل قبالة منطقة (ود البخيت) بمحلية كرري, وإنتشلت قوات الإنقاذ النهري جثة شخص مجهول في العقد الثالث من العمر قبالة ضاحية بري بالخرطوم في أبريل المنصرم وفي ذات الأثناء غرق طالب يبلغ من العمر (19) عاماً بـ(الخدير) بمحلية كرري وطالب جامعي بـ(الكلاكلة) أيضاً.. وخيم الحزن الأسبوع الماضي على منطقة الجريف غرب برحيل أربعة من الصبية غرقاً بالقرب من كمائن الطوب، ثلاثة منهم قدموا إلى الخرطوم مع ذويهم من مدينة ود مدني لقضاء الإجازة الصيفية بالخرطوم لتتلقفهم يد المنون بها, وفي الأسبوع السابق له نصبت سرادق العزاء للرحيل المؤلم لوفاة (4) شباب غرقاً بمدينة شندي تم إستخراج جثثهم في الأيام الماضية بعد جهد مضنٍ في البحث من قبل قوات الدفاع المدني.
وفي مطلع الأسبوع الجاري إبتلع النيل قبالة منطقة المقرن بالخرطوم شاب في العشرين من عمره يدعى عبد الله إرتاد النيل بغرض الإستحمام, وفي الجيلي ببحري غرق ميرغني ليلحق به أيضاً الطالب الياقوت الذي توفي غرقاً بالحلفايا.
وفي مايرنو بسنار إبتلع النيل أحد أفراد القوات النظامية عند إستحمامه في الماء لتدون الشرطة بلاغات لحوادث الغرق المختلفة بلاغات بموجب أحكام المادة (51) من قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بالوفاة في ظروف غامضة.. وما ذكر من حوادث على سبيل المثال لا الحصر، فكل يوم تشهد مضابط الشرطة عشرات البلاغات سواء بالخرطوم أو الولايات حول حوادث الغرق وتفجع الأسر بفقد فلذات أكبادها دونما سابق إنذار.

حقائق وأرقام
كشف اللواء شرطة هاشم حسين عبد المجيد مدير الإدارة العامة للدفاع المدني عن رفع درجة الإستعداد القصوى والإجراءات المنعية لفرق الإنقاذ النهري وتكثيف الإجراءات المنعية ومراقبة الشواطئ والأماكن التي يرتادها المواطنون على طول مجرى النيل من منطقة الجبل إلى قري وفي مناطق النيل الأزرق إلى المنشية بإتخاذ إجراءات منعية وإحترازية.. وأكد في حديثه لـ(السياسي) على أن السودان ليس ببعيد من الإحصائيات التي دفعت بها الأمم المتحدة عن معدل حوادث الغرق في العالم والتي بلغت طبقاً لآخر إحصائية (273) ألف شخص ومعظم الضحايا أعمارهم ما دون الـ(25) عاماً, مبيناً أن السودان من أكثر دول العالم التي بها مسطحات مائية طويلة, مشيراً إلى أن معدل الحوادث في الخرطوم والولايات بحسب المناطق التي فيها الشواطئ طويلة من منطقة ديم المشايخة وحتى الباقير وبولاية نهر النيل وسنار، لافتاً إلى أن مرتادي الشواطئ بالولايات لأغراض العمل والزراعة بعكس الخرطوم التي تعج شواطئها بغرض السباحة والترفيه, وأرجع اللواء هاشم إرتفاع حوادث الغرق في الفترة الحالية لعطلة الطلاب المدرسية بالإضافة إلى إرتفاع درجات الحرارة، زائداً على ثقافة المواطن السوداني الذي عُرف بالسباحة في النيل.

السياسي

Exit mobile version