السودان.. تاريخ طويل تحت حكم الجيش

المتتبع لتاريخ السودان الحديث يجد بلا شك أن هذا البلد عاش تحت أنظمة حكم عسكرية أطول مما عاشه في ظل حكومات مدنية ديمقراطية، بل تكاد المقارنة تكون منعدمة.
ولم يهنأ السودانيون بعد استقلالهم عام 1956 بحكومتهم المدنية المنتخبة أكثر من عامين، إذ قفز الجيش على السلطة بقيادة الفريق إبراهيم عبود يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1958 بإيعاز -كما قيل- من رئيس الوزراء آنذاك عبد الله خليل.

 

سبب انقلاب عبود

في هذا الصدد يقول الفريق عبود للجنة التحقيق التي حققت معه في دوافع انقلابه على النظام الديمقراطي، إن رئيس الحكومة عبد الله خليل اتصل به وطلب منه أن يتدخل الجيش لاستلام السلطة.

وحدث هذا لأن حزب الأمة الذي ينتمي إليه خليل شعر بخطورة تقارب الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، فأي ائتلاف بينهما سيطيح بلا شك بحكومته ويأتي بحكومة جديدة، لذا تم تفويت الفرصة على هذا الانقلاب الديمقراطي؛ عبر التآمر مع الجيش وتسليمه السلطة.

 

 

وحكم عبود البلاد حكما مطلقا مما أدى إلى تنامي المعارضة السياسية له يوما بعد يوم، حتى وقعت أحداث في جامعة الخرطوم قتل فيها الطالب أحمد القرشي طه الذي صار أيقونة لثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 التي أنهت الحكم العسكري.

وعاد المدنيون إلى الحكم بانتخابات جرت عام 1965 بإشراف حكومة انتقالية، إلا أنه لم يتمكن أي حزب من الحصول على الأغلبية، مما دفع الأحزاب للجوء إلى التحالفات، فنشأت حكومة اتسمت بعدم الاستقرار نتيجة تبدل التحالفات من وقت لآخر.

النميري حكم السودان 16 عاما قبل أن يثور عليه الشعب عام 1985 (رويترز)
انقلاب النميري
وأدى عدم الاستقرار السياسي إلى انفلات في كل مناحي الحياة الاقتصادية في البلاد، فتفشت البطالة وحدث شح كبير في السلع الاستهلاكية، واندلع التمرد بشكل أوسع في جنوب السودان.

لهذا ولغيره بدأ التململ من جديد وسط ضباط الجيش، وتمكن العقيد (آنذاك) جعفر محمد نميري من القفز على السلطة يوم 25 مايو/أيار 1969 بمعاونة عدد من الضباط وبتخطيط من اليسار السوداني وفي مقدمتهم الحزب الشيوعي.

وقد ظهر للناس منذ الأيام الأولى التوجه اليساري للنظام الجديد، فمعظم الوزراء من الحزب الشيوعي والبقية من القوميين العرب واليساريين. وكان للحزب الشيوعي الدور الأكبر في دعم نظام النميري والترويج له.

غير أن شهر العسل بين النميري والشيوعيين لم يستمر طويلا، وظهر كثير من أوجه الخلاف في وجهات النظر والسياسات بين الفريقين، أبرزها طلب الرئيس النميري من الحزب الشيوعي حل نفسه والاندماج في الاتحاد الاشتراكي السوداني الذي أراده الرئيس أن يكون الحزب الوحيد الجامع في البلاد.

ومع تطور الخلاف بين الفريقين، أطاح النميري بثلاثة من أعضاء قيادة ثورته، وهم الضابطان الشيوعيان با بكر النور وهاشم العطا، وحليفهما فاروق عثمان حمد الله. كما أقصى الشيوعيين من قيادة المؤسسات الحكومية، مما دفع الحزب الشيوعي للتخطيط لانقلاب مضاد على سلطة مايو.

وتمكن بعض الضباط التابعين للحزب الشيوعي من الاستيلاء على السلطة يوم 19 يوليو/تموز 1971، ولكنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على السلطة غير ثلاثة أيام فقط، عاد بعدها النميري يوم 21 يوليو/تموز لينفذ أكبر حملة ضد الحزب الشيوعي وانتهت بإعدام الضباط الثلاثة وعدد من قيادات الحزب، على رأسهم سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب.

سوار الذهب أطاح بالنميري وسلم السلطة لحكومة منتخبة (مواقع التواصل)
انحياز سوار الذهب للشعب
وظل النميري في الحكم طيلة 16 عاما تخللتها محاولات انقلابية فاشلة، لتنتهي فترة حكمه بانتفاضة جماهيرية واسعة استجاب لها وزير الدفاع آنذاك المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي أعلن تنحية النميري واستلام الجيش للسلطة يوم 6 أبريل/نيسان 1985، ولفترة انتقالية لمدة عام، وكان النميري حينها في رحلة علاج خارج البلاد.

نفذ سوار الذهب وعده وسلم السلطة بعد عام لحكومة منتخبة ترأسها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي مؤتلفا مع الحزب الوطني الاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني تارة ومع الجبهة الإسلامية بزعامة الدكتور حسن الترابي تارة أخرى.

لم تعش هذه الحكومة الديمقراطية غير ثلاثة أعوام تقريبا تخللتها صراعات كثيرة بين القوى السياسية، نجم عنها عدم استقرار سياسي، واستقطاب حاد بين المكونات السياسية، وتقدم كبير لتمرد الجنوب على حساب الجيش السوداني.

انقلاب البشير
كل ذلك وغيره أدى إلى تململ كبير وسط القوات المسلحة السودانية، وخطط عدد من الأحزاب للانقضاض على السلطة، إلا أن الجبهة الإسلامية كانت الأكثر تنظيما والأسرع تنفيذا، فقادت انقلابا ناجحا يوم 30 يونيو/حزيران 1989 بقيادة العميد (آنذاك) عمر حسن أحمد البشير الذي ما زال على رأس السلطة حتى الآن.

فهل تنجح الهبة الشعبية التي انطلقت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي من الإطاحة مرة أخرى بحكم العسكر والعودة إلى النظام الديمقراطي؟ وإذا نجح هذا الحراك، هل سيكون جزءا من تبادل السلطة المستمر بين المدنيين والجيش؟

 

 

المصدر : الجزيرة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.