لعبة الأثرياء.. ما سبب الأسعار الفلكية للوحات الفنية؟

هي غريبة باتفاق الجميع، بل وتكون عادة جذابة، ليس لأنّها أجمل امرأة في العالم، بل لأن لها هالة تستحوذ عليك بمجرد النظر إليها. لديها أيضا نظرة عيون آسرة، ليس لأنها أجمل عيون في العالم، بل لأنها تتبعك أينما ذهبت، وتتلقفك دون أن تتحرك هي مِن مكانها، وها هي الآن، دون أن تغادر مقعدها الوثير، صارت أشهر امرأة في التاريخ، مَن هي؟ هي بالطبع الموناليزا؛ الأشهر على الإطلاق للرسام الإيطالي ليوناردو دافينشي (1452–1519).

 

رغم غرابتها وكافة الألغاز المُثارة حول هويتها وطبيعة ابتسامتها المُحيرة ونظرة عينها الآسرة، استطاعت أن تحجز لنفسها مركز الصدارة في قوائم أغلى اللوحات في التاريخ، فتم تقدير سعرها بـ750 مليون دولار أميركي حتى عام 2018، وتتجه بخطى ثابتة نحو المليار دولار كأغلى لوحة على مرّ العصور.

 

تم تقدير سعر لوحة الموناليزا الشهيرة بـ750 مليون دولار أميركي (رويترز)

الأغرب مِن السعر الفلكي الذي وصلت له الموناليزا؛ هو أنها غير قابلة للبيع أساسا، فهي إرث وطني فرنسي لا يمكن التصرف فيه؛ مثلها مثل أهرامات الجيزة بالنسبة لمصر، والسؤال هنا ما سبب الأسعار الفلكية، بل والجنونية، التي تحققها بعض اللوحات؟ وما الذي يجعل سعر مجموعة ألوان على قماش مقدمة بشكل معين يتجاوز مئات ملايين الدولارات؟

 

الموناليزا ليست الوحيدة في هذا الصدد، فهناك أيضا لوحة “سالفاتور مندي” (Salvator Mundi)، وتعني “مُخلّص العالم”، وهي الأخرى إحدى روائع دافينشي الخالدة، واشتراها متحف لوفر أبو ظبي من مزاد كريستي في نيويورك عام 2017، بسعر 450 مليونا وثلاثمئة ألف دولار أميركي.

 

وفي السياق نفسه، بيعت لوحة “التبادل” (Interchange) للرسّام التعبيري التجريدي ويليم دي كوننج (1904–1997)، بسعر 303 ملايين دولار لرجل الأعمال الأميركي كينيث جريفين، كما بيعت لوحة “لاعبو الورق” (Les Joueurs de cartes) للرسّام الفرنسي بول سيزان (1839–1906) بسعر 250 مليون دولار عام 2011.

 

وهكذا، فإن قائمة أغلى اللوحات في العالم لا تحتوي على لوحة سعرها أقل من ستين مليون دولار. ألا يتنافى كون اللوحة باهظة الثمن مع كل المعاني التي يدعيها الفنّ على مستوى المعنى؟! ألا يكون الفنّ وهو باهظُ الثّمن أقل فنيّة مما يجب؟!

ظلال الرأسماليّة القبيحة
للإجابة ببساطة على تلك الأسئلة يجب العلم أن أسعار اللوحات الباهظة هي أولا وأخيرا مجرد “أرقام بسيطة” يتم تداولها بين باعة ومشترين في سوق يضم عددا قليلا مِن المنتجات المميزة، هذا السوق اسمه “سوق الفن”.

 

طبقة الأثرياء تفضل الاستثمار في “سوق الفن” لأنه أكثر أمانا من البورصة (رويترز)
وهذا السوق له قواعده المالية، واقتصاده الخاص، كما أن له معارض ومزادات بعينها مسيطرة عليه، ووفقا لموقع “آرتسي”، وهو أكبر منصة ناطقة بلسان “سوق الفن” عبر الإنترنت، فإن اقتصاد الفن العالمي شهد نموا كبيرا في عام 2018، بمعدل 12%، وبقيمة مبيعات عالمية تقدر بـ63.7 مليون دولار.

 

ووفقًا للدراسة الاستقصائية التي قامت بها مؤسسة “آرتس إيكونميكس”، وهي مؤسسة رائدة في سوق واقتصاد الفنون التشكيلية بالتعاون مع بنك “يو بي أس”، فإن الثروات المجمعة للأفراد ذوي الدخل المرتفع، وهم أي شخص لديه أكثر من مليون دولار في حسابه البنكي، قد بلغت 63.5 تريليون دولار حتى مارس/آذار 2018.

 

وقامت آرتس إيكونميكس بمسح 2245 حسابا بنكيا من أصحاب الملايين والمليارات، ووجدوا أن 35٪ منهم قاموا بجمع الفن والتحف عام 2017، فتلك الطبقة الثرية تفضل الاستثمار في سوق أكثر أمانا من البورصة، وهنا تأتي اللوحات الفنية كالسلع الأنسب للبيع والشراء.

 

برجوازيّة تنافسيّة
بينما يواصل أصحاب الملايين والمليارات السيطرة على اقتصاد هذا السوق؛ كونه أكثر أمانا واستقرارا، فإن كل القيم والمعاني التي تمثلها اللوحات تتراجع وتبهت في وجه التعامل البرجوازي معها كسلعة، وكلما كان المرء ثريا فإنه لا يتعامل مع جدران بيته كمجرد حوائط وجدران.

 

فبدل أن ينتقل الشخص الثري لرؤية اللوحات معلقة على جدران المعارض الفنية، فإنه ينقل اللوحات بنفسها لتعلق على جداره، ومن مصلحته بالطبع البقاء على أسعار تلك اللوحات مرتفعة فهي في النهاية ستكون حكرا على فئة معينة من الأثرياء وليس جميع الأثرياء.

 

 

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.