أطلت مؤخرا بجنوب السودان غارات نهب الأبقار.. حروب استنزاف في موسم الجفاف

غارات نهب الأبقار بجنوب السودان.. حروب استنزاف في موسم الجفاف تتسبب غارات نهب الأبقار في مقتل المئات من الرعاة الشباب سنويا في دولة جنوب السودان، ضمن نزاعات يسميها البعض “حروب موسم الجفاف الاستنزافية”.

وهي واحدة من الحروب التي تحول دون إحلال السلام وإرساء الاستقرار، وتستنزف طاقات الشباب في المناطق الريفية؛ جراء قيم ثقافية تدمر واحدة من أهم ثروات البلد الإفريقي، الذي استقل عن السودان، عبر استفتاء شعبي، عام 2011.

وهي تساهم أيضا في تأجيج الصراعات العشائرية، التي تستخدم فيها أسلحة نارية منتشرة بكثرة بين المدنيين.

صراعات ومكاسب

تلك الصراعات يستغلها ساسة متنافسون على المناصب لتحقيق مكاسب، في ظل حرب أهلية شهدها البلد الفقير، خلال الأعوام الست الماضية.في يناير الماضي فقط قُتل ما يزيد عن 200 شاب، خلال غارات لنهب الأبقار، بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين في ولايات: البحيرات الغربية (وسط)، البحيرات الشرقية (وسط)، قوك (وسط)، جونقلي (شرق)، بيه (شرق)، بوما (جنوب شرق) وليج الشمالية (غرب).في تلك الغارات تُستخدم أسلحة نارية أوتوماتيكية (كلاشنكوف)، وهي منتشرة في أيدي الرعاة من الشباب.

قلة المراعي

تبدأ الغارات مع بداية موسم الجفاف من كل عام (بين ديسمبر ومارس)؛ بسبب قلة المراعي التي ترعي فيها الأبقار.

وهو ما يضطر شباب كل عشيرة في مناطق قبائل الدينكا والنوير والمورلي، التي تعتمد في حياتها على رعي الأبقار، إلى الذهاب بأبقارهم إلى مناطق المستنقعات، المعروفة باسم “التوج”، لقضاء فترة الجفاف هناك.

يقيم هؤلاء الشباب في معسكرات متفرقة، وتحدث احتكاكات بين المجموعات حول ملكية المراعي، وتندلع مواجهات مسلحة تنتهي بأن تأخذ العشيرة المنتصرة أبقار المجموعات الأضعف إلى القرى التي تقيم بها.

استراتيجيات حكومية

قال أتينج ويك، السكرتير الصحفي لرئيس جنوب السودان، في تصريحات للأناضول، إن “الحكومة تعكف على وضع استراتيجيات صارمة للحد من غارات نهب الأبقار والاقتتال العشائري”.وزاد “ويك” بالقول إن “انتشار الأسلحة في أيدي المواطنين أدى إلى انتشار ظاهرة نهب الأبقار والاقتتال العشائري خلال الصيف”.

أكبر مواجهة عشائرية

في الأسبوع الماضي وقعت أكبر مواجهة عشائرية في ولاية تونج، حيث قُتل 105 شباب وأصيب 37 آخرون، وجرى نهب حوالي 2300 رأس من الأبقار.وقال وزير الإعلام في حكومة الولاية، جيمس أييك، إن القوة المهاجمة جاءت من ولاية ليج الجنوبية المجاورة، التي تقطنها مجموعات من النوير.وسبق أن اتهمت سلطات ليج الجنوبية رعاة مسلحين من الدينكا من ولاية تونج بشن هجوم مسلح على معسكرات الأبقار داخل حدود ليج الجنوبية، ما أسقط 28 قتيلا، بحسب ما صرح به للأناضول وزير الإعلام في ليج الجنوبية لام تنقوار.

ثأر متبادل

الوضع نفسه تشهده منطقة جونقلي (شرق)، وهي تضم ولايات بوما (تقطنها مجموعة المورلي) وجونقلي (تقطنها مجموعة دينكا بور) وبيه (تقطنها عشائر من قبيلة النوير).في تلك المنطقة تتزايد حالات الإغارة والاقتتال العشائرى بين المجموعات الرعوية.وشهد الشهر الماضي أكثر من 5 هجمات شنها شباب من ولايتي بوما وبيه على معسكرات الأبقار التابعة لدينكا بور.

ونظم شباب ولاية جونقلي أنفسهم في حملة ثأرية لاستراد قرابة 1500 رأس من الأبقار نهبها رعاة مسلحون من بوما وبيه.

وهو ما دفع السلطات في جوبا إلى التدخل لوقف مجزرة محتملة ضد أقلية المورلي في بوما.وقال مجوك كور، أحد قيادات شباب الرعاة في جونقلي، للأناضول: كنا بصدد شن غارة كبيرة على بيه وبوما لاسترداد أبقارنا، والثأر مما لحق بنا من إهانة بسبب صمت الحكومة وتجاهلها للغارات التي أسقطت 50 قتيلا في معسكرات جاليه وكولمريك التابعة لمنطقة بور المتاخمة للولايتين.ورأى “كور” أن مؤتمرات الصلح التي تدعو إليها الحكومة لن تحل المشكلة: “على الحكومة أن تفرض وجودها بنشر المزيد من القوات بين الولايات في فصل الصيف، تفاديا لسرقة الأبقار وموت الأبرياء.

انتشار الأسلحة

في ولاية البحيرات الشرقية قُتل ثمانية أشخاص وجرح 20 آخرون، خلال اقتتال بين عشيرتي روب وفاكام، الأسبوع الماضي، ضمن نزاعات بين المجموعتين، منذ ديسمبر الماضي؛ بسبب نهب الأبقار.وقال وزير الإعلام في الولاية تعبان ابيل، إن الحكومة تدخلت واستردت الأبقار المنهوبة، وتبذل جهودا لإجراء مصالحة بين العشيرتين.وزاد بالقول: “نريد أن يعيش الجميع بسلام، رغم قلة الموارد التي تعيش عليها الأبقار.. الخلافات لها آليات للحل ظلت متبعة طيلة الفترات الطويلة الماضية، لكن انتشار السلاح بين المدنيين هو الذي فاقم الأوضاع”.وتشتري مجموعات الشباب من الرعاة في تلك المناطق أسلحة نارية وذخائر من قوات الحكومة والمعارضة، لحماية أنفسهم وأبقارهم أثناء الفترة التي يقضونها في معسكرات الأبقار، خلال الصيف، حيث يتجمع عدد كبير من الرعاة، بحسب مصادر.

انتقادات للحكومة

بحسب ديفيد ادموند، وهو باحث اجتماعي لدى منظمة “التعايش السلمي” (معنية بنشر ثقافة السلام)، فإن “ظاهرة غارات نهب الأبقار في المناطق الريفية بالعديد من الولايات تمثل أزمة كبيرة”.وأضاف ادموند للأناضول: “يموت عدد كبير من الشباب سنويا، في ظل صمت وفشل الحكومة في جمع السلاح من المدنيين والتدخل لإقامة حفائر لتجميع المياه في تلك المناطق، لتقليل الاحتكاكات”.وزاد بقوله: “كان يمكن للسلطات أن تقوم بعمل الحفائر لكل عشيرة، لنتفادى احتكاكات فصل الصيف، ونقلل عدد الموتى بين الشباب في تلك المعسكرات دون أن يستفيد منهم البلد”.

مهر وبطولة

ثمة عوامل عديدة تدفع الشباب في المناطق الريفية إلى شن غارات نهب الأبقار، منها أن الأبقار تمثل المهور التي يتقدمون بها للزواج.ويتجاوز المهر الواحد لدى الدينكا والنوير الـمئة رأس من الأبقار.كما أن القيم الثقافية تمجد تلك الغارات، باعتبارها بطولات، فالشاب الذي ينهب عددا من الأبقار يُنظر إليه على أنه بطل تتغني به الفتيات.وفقا للدكتور بيتر مليث، متخصص في دراسات السلام وفض النزاعات، “لا توجد في المناطق الريفية مشروعات تنموية تُدخل الأبقار في دائرة الإنتاج الاقتصادي، وتستفيد من طاقات الشباب في لعب أدوار إيجابية، من خلال تشجيع التعليم النظامي”.ورأى مليث، في حديث للأناضول، أن “هذا الوضع ساهم في تدمير العلاقات الاجتماعية بين مجموعات الدينكا والنوير والمورلي والاستوائيين”.وختم بأن “بعض السياسيين يستغلون هذه الصراعات بحثا عن مناصب، حيث يشجعون النزاعات التي تنتهي بإقالة حكام الولايات ومحافظي المقاطعات، بداعي عدم استتباب الأوضاع الأمنية”.

الخرطوم: وكالات

Exit mobile version