امس كنت ادرس مجموعة من طلاب السنة النهائية بكلية الاعلام في جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا ..مع نهاية كل محاضرة درجنا على عرض قضية عامة للنقاش..الطلاب اقترحوا مناقشة مقتل الملازم غسان عبدالرحمن في حادث حركة..بدأت بمحاولة قياس حجم المعلومات المتوافرة بين يدي الجيل الجديد ومصادرها ..اكتشفت ان معظم المعلومات جاءت مباشرة من وسائط (الميديا الجديدة)..حاولت ان اجادلهم في مصداقية هذه الوسائط وكان ردهم الجماعي الصحف المطبوعة لا تستطيع نشر كل الحقائق.
في نهاية حلقة النقاش كان إجماع صحفي الغد ان غسان قد قتل بفعل فاعل ..أخبرتهم ان أسرته تعتقد ان الحادث قضاء وقدر..ردوا على ان (الإنترنت ) اكد ان الشاب تعرض من قبل لحادث تسمم وتم إنقاذه في احد المشافي العامة..سئلوني ان كان الملازم الراحل مازال في خدمة الشرطة..وربما هذه سانحة للإجابة على السؤال من جهات الاختصاص..وذلك لان استمراره في الخدمة العسكرية يولد مزيدا من التساؤلات .
طرحت على الطلاب سؤال من المستفيد من تغييب غسان في هذا الوقت..تغييب غسان يعني إعادة القضية الى واجهة الأحداث بعد ان غطاها ضباب كثيف وقوع الكوارث المتتالية والمتجددة على راس شعبنا الصابر..قلت لهم ليس من مصلحة الحكومة ان تعيد فتح الجرح..حاولت ان اشرح لهم ان الطرف الآخر في القضية عريس مغترب في قطر جاء في إجازة لقضاء شهر عسل سعيد..كل هذا المنطق كان يزيد الطلاب شكا في قراءة الظروف الموضوعية والتشبث برؤيتهم التي تحمل عدم الثقة في الحكومة.
في تقديري ان الحكومة ارتكبت خطا كبيرا في التعاطي مع قضية الفساد في الأراضي ..وزارة العدل كمن فصل التيار الكهربائي في الفصل الأخير من فيلم مثير..الوزارة في البداية قبلت بمبدأ التحلل وجردت المتهمين من معظم ثرواتهم..امام ضغط الراي العام أفاد الوزير ان القضية ستمضي الى القضاء..من يومها لم تتحرك القضية من مكانها ..لم يدرك الناس كيف انتهت القضية ..وربما هذه فرصة ليعرف الراي العام كيف تم حفظ ذلك الملف.
في تقديري ..لو تعاملت الحكومة بشفافية في هذه القضية والقضايا المشابهة لأصبح الشعب في الصورة..غياب المعلومة الصحيحة يؤدي لنمو الشائعة..لم تكن الحكومة ستخسر كثيرا لو تركت القضية وبكل تفاصيلها امام الرؤية المجردة..لو تمكنت الصحافة التي هجرها الناس من السماح لجميع الأطراف من عرض بضاعتهم لما اصبح حادث حركة في شارع الستين شغلا شاغلا للأمة السودانية .. كل القضايا التي تشغل الراي العام يتم حفظها بعيدا عن أعين الشعب السوداني تطبيقا لفقه السترة والنتيجة يفقد الشعب الثقة في حكامه.
بصراحة.. اسوا ما يواجه حكومة الإنقاذ ليس الفساد بل الإحساس الزائد بالفساد..اغلب الناس يعتقدون وراء كل مسئول عظيم فساد أعظم..وان كل بناية شامخة في بلدهم مسروقة من الخزينة العامة..هذا الإحساس محبط واغلب الظن سيكون وقودا لطامة كبرى قادمة.
عبدالباقي الظافر : من قتل الملازم غسان..!!
