أدُّوهَا صَنّة!!

الحكومة معزولة ومُحاصرة، فهذا أمرٌ مُتّفقٌ عليه، ولعلّ هذا بدا مع مجيئها في يونيو 1989 ولكنه ازداد تَدريجيّاً مع تَطَوُّر الأحداث في الإقليم حولنا وفي العالم حوله، والحكومة من جانبها لم تُقَصِّر، فهي لم تبخل بِمَا يَدعم اتّهامها بدعم الإرهاب وما يُضيِّق الخناق عليها، ووصل الحصار قمّته بمنع المَصارف العالميّة من التّعامل مع السُّودان.
أمّا مُعارضة الحكومة هي الأخرى محرومة من الدعم الخارجي دولياً وإقليمياً لضعف مُكوِّناتها وعدم وحدتها.

عُمُوماً، السُّودان (حُكومةً ومُعارضةً) ليس من البنود المُهمّة في الأجندة الدوليَّة، فالسِّياسة الدوليَّة لا تعر موقعه الجُغرافي أهمية استراتيجية، هذا بالإضافة لفقره المُدقع، إذ أنّ كل موارده الاقتصاديّة الضخمة مازالت مَطمورةً ولم يستفد منه، فَكُل الذي يَجري عالميّاً للسُّودان الآن هو حصره في زاويةٍ ضيِّقةٍ إلى حين إشعار آخر، فالعالم قد يحتاجه في يَومٍ قَادمٍ..!

(2)
داخل السُّودان الحراك السِّياسي على أشده، إذ أصبح هدفاً للكاميرات الإقليميّة والعالميّة بدرجةٍ أقل.. ثلاثة أشهر والسُّودان في مقدِّمة أخبار الفضائيات الإقليميّة والعالميّة الناطقة بالعربيّة، ولكن مع ذلك ظلّت العُزلة مَضروبةً عليه.. فالحكومة حفيت أقدامها بحثاً عن شوية مليارات تَستعملها كَمَخدّة تتبتب به جنيهها والمُعارضة هي الأُخرى سَوّقت نفسها بالتظاهرات والاحتجاجات ولم تَجد من يشتري منها، فالتدافع السِّياسي الداخلي على أشدّه والعالم يتفرّج، فالحكومة مَحسوبة على الإسلام السِّياسي وبالتالي دعم التّطرُّف الديني لذلك تُعاديها الدول المُمسكة بزمام الإقليم، والمُعارضة تدعو إلى إقامة دولة ليبرالية، والليبرالية إقليمياً لا تقل فظاعةً عن الإسلام السِّياسي، وبهذا تكون بضاعة الحكومة مرفوضةً وكذا بضاعة المُعارضة، فالإقليم من حولنا يُريد حكماً بعيداً عن الدين وبعيداً عن الليبرالية، وإذا سعت الحكومة لتغيير جلدها وتقليل جُرعة التدين فلن يصدِّقها المانحون، وإذا سعت المعارضة للتنكُّر لليبراليتها فلن يُصدِّقها المُموّلون.

(3)
والحال كذلك سَيظل الإقليم ومن خلفه بقية العالم يتفرّج على السُّودانيين وهم يستهلكون بعضهم، وهم يوقفون الحياة في بلادهم, يتفرّجون على السُّودان والحكومة تمد قرعتها والمُعارضة تُطالب بسماع صوتها.. يتفرّجون على السُّودان وهو في حالة توازنٍ سلبي، فإذا خفت كفّة الحكومة سوف يضعون ما يثقلها، وإذا خفت كفّة المُعارضة سوف تجد الدعم وأحياناً يحدث تَقسيم أدوار في الفريق الواحد، هَذا يَدعم الحكومة وذاك يَدعم المُعارضة، بما يحفظ الوجود وليس بما يُمكن من كسب الجولة، فالمهم أن يبقى السُّودان مُعلّقاً بين الحياة والموت, لا ميتٌ يُدفن ولا حَيٌّ يُرجى، ولكن المُؤكّد أنّ هذه الحالة من التّوازن السَّلبي لن تستمر إلى الأبد والفُورة المليونية سَوف تَصل إلى نهايتها والتّعايش البادي الآن قد ينقرض، فالباب قابلٌ للانفتاح على احتمالات ليست في الحسبان، قد يرى البعض بعضها ولكن لن يستطيع أحدٌ رؤيتها كلها..!

(4)
يا جماعة الخير، العالم حولنا قد يكون (راقد لينا فوق راي) حتى وإن كَانَ يجهلنا، ولكن تطور الأحداث نحو الهاوية سَوف يُغريه ويُوقد فيه نار الطَمع, ولا أحدٌ يشتري بضاعة تهدى إليه, فالحالة العدميّة والمُعادلة الصفرية التي نعيشها الآن مُغرية جداً فهل من صوت عقلٍ؟!
لا بُدّ مِن وقفةٍ لقراءةٍ فاحصةٍ لمُجريات الأمور داخل السُّودان وخارجه، فالعالم ليس مطلوقاً.. فكيف ونحن نقدِّم أنفسنا لهؤلاء الأسياد على طَبَقٍ من (كمونية)؟!.

 

 

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.