الطاهر ساتي :التاريخ ..!!

:: ومن الأخبار المزعجة، حريق القصر الجمهوري و ما تردد عن بيع منزل محمد أحمد المحجوب لرجل أعمال سوري، وبينهما قاسم مشترك لو تعلمون عظيم، وهو التاريخ .. لقد وصف الأمين العام لرئاسة الجمهورية محمد محمد صالح حريق الأمس بالمحدود، وأنه شب في عدد محدود من مكاتب الطابق الثاني أثرالتماس كهربائي .. قدُر الله وما شاء فعل .. ولكن وصف الحريق بالمحدود غير مناسب، وليس بمحدود أن تفقد البلاد وشعبها قطعة أثرية ولو بحجم نافذة خشبية بالقصر الجمهوري ..!!

:: ولست بحاجة إلى تذكيرهم بأن القصر الجمهورى من المباني التاريخية التي يجب الحفاظ عليها من الحرائق والدمار، و لو احترقت خشبية – بنافذة أو باب – لا يمكن تعويضها، وناهيك عن احتراق مكاتب بما فيها من نوافذ وأبواب وغيرها .. ومن المؤسف عدم وجود وحدة دفاع مدني في مثل هذه الأمكنة العريقة والحساسة، بدليل إنتظار حرائق القصر واستمرارها لحين وصول فرق الإطفاء من مكان آخر، وهي فترة زمنية تكفي لتمدد ألسنة اللهب وتصاعد الأدخنة، لتنقلها الكاميرات إلى وسائل الإعلام و مواقع التواصل ..!!

:: وغير أنها فاجعة ثقافية ألمت باحدى المباني الأثرية، فمحزن للغاية أن تتناقل الفضائيات و وكالات الأنباء ومواقع التواصل عجز سلطة البلاد حتى عن حماية (قصرها) من الحرائق والدمار، وهي المناط بها مهام حماية البلاد وشعبها من الأزمات والكوارث.. ومع حريق مكاتب القصر، كان هناك خبر آخر ومؤلم أيضاُ.. إذ تحدثت وسائل الإعلام عن ببيع منزل رئيس الوزراء الأسبق محمد احمد محجوب، في مزاد علني – بأمر المحكمة – لرجل أعمال سوري بقيمة 700 ألف دولار..!!

:: لمنزل المحجوب قيمة تاريخية لا تقدر بثمن، ومن الخزي والعار أن يُباع ويُشتري مثل بيوت العامة.. منزل المحجوب كما منزل الزعيم الأزهري، يحمل لون ورائحة وطعم استقلال بلادنا، ولن ترحمكم الأجيال على هذا الاهمال واللامبالاة لحد بيع بيت المحجوب لأجنبي .. وفي الخاطر، ذات جمعة شهدت وقائع انفصال جنوب السودان، مررت بمنزل الزعيم الأزهري، و شاهدت بعض الشباب يوشحون جدار المنزل بقماش أسود حزناً على انفصال الجنوب.. لم يجدوا ملاذاً يأوى أحزانهم يوم انشطار بلادهم، فلاذوا بمنزل الزعيم ليشاطرهم الجدار حزن الإنشطار.. !!
:: فالدول وشعوبها دائماً ما تحتفي بإرث وآثار رجالها الذين سطروا تاريخهم بأحرف من نور الصدق والإخلاص والطهر والنقاء في دفاتر الزمن .. وكثيراُ ما ناشدت الحكومة والمعارضة والمجتمع بأن بيوت صناع إستقلال بلادنا يجب أن تكون متاحفاُ كما متاحف ناصر والسادات ومحمد نجيب بمصر، ومتحف عمر المختار بليبيا، ومتحف يوسف العظمة بسوريا.. كانت بيوتهم، ولكن لم ترثها اسرهم بعد وفاتهم، بل ورثتها شعوبهم بتحويلها إلى متاحف توثق سيرتهم في دفتر التاريخ ..!!

:: ومع هذا القصر الذي يحترق في رابعة النهار، يجب أن تسارع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني في تحويل منزل الزعيم والمحجوب إلى متحف أومؤسسة ثقافية، وذلك بعد تعويض أسرهما بمنزل أو منازل تليق بعظمتهما.. نعم، أكرموا البيوت العريقة – وما فيها من مقتنيات وخطابات وصور وكُتب – بحيث تكون متحفاُ ومركزاً ثقافياً ومعرفيا لأهل السودان وضيوفهم..وكما أن الزعيم والمحجوب أجزلا العطاء للأجيال السابقة، فان ورثتهما أيضاً لن تبخل على الأجيال القادمة بمنزلين لتخليد تاريخنا الوطني والنضالي .. !!

كوش نيوز

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.