الفيفا يبدع بالفساد ودور قطر يثير الشبهات

سنوات طويلة وتهم فضائح الرشاوى وغسل الأموال تلاحق مسؤولي الفيفا، ما هي أبرز أوجه الفساد التي تلاحقهم؟ وكيف دخل مسؤولون من إمارة قطر على خط الرشاوى التي أودت حتى الآن بعدد من المسؤولين الكبار بينهم القطري محمد بن همام؟

يسلط اعتقال عدد من كبار المسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم/ الفيفا من قبل السلطات السويسرية بتهمة الرشاوى والتورط في غسل الأموال بعض الضوء على حجم الفساد الرهيب الذي ينخر عظام هذا الاتحاد العالمي التي ينتظر المرء منه شفافية بروح رياضية تجعل منه قدوة للمنظمات الدولية الأخرى.

القائمون على الاتحاد فوّتوا -على ما يبدو – فرصة اعتماد الشفافية ولطخوا سمعته بعد سلسلة اتهامات وجهت لهم وكشفت عن فضائح فساد ومخالفات للقوانين ارتكبت فيه. وبرزت هذه التهم بشكل خاص على خلفية منح روسيا استضافة مونديال 2018 ومنح قطر استضافة مونديال 2022.

أما عن أوجه تهم الفساد فحدّث ولا حرج، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، تشهد كل واحدة من مباريات كأس العالم التي ينظمها الفيفا بيع ألاف التذاكر في السوق السوداء بأسعار عالية تتراوح بين 3000 دولار لبطاقة مباراة الدوري الأول و 20000 لبطاقة مباراة الدورين النهائي وما قبل النهائي. في هذا السياق تحدثت تقارير إعلامية كثيرة عن شركات مقرّبة من أعضاء بارزين في الفيفا باعت هذه التذاكر في مونديال البرازيل 2014 وقبله في مونديال جنوب أفريقيا 2010. وطالت اتهامات الفساد أيضا رئيس الفيفا الحالي جوزيف بلاتر مع أنه نفى شخصيا هذا الأمر بشدة.

وفي مجال حقوق بث المباريات عبر شاشات التلفزة يفترض بالفيفا منحها لأكبر عدد من القنوات الوطنية لتمكين مختلف الشرائح الاجتماعية من متابعة مبارياتها كحدث رياضي عالمي يتشوق لمتابعته غالبية الناس فقراء كانوا أم أغنياء، لكن الوقائع تشير إلى التوجه وبشكل متزايد إلى بيع هذا الحق للمحطات التي تدفع مبالغ أعلى وجني مئات ملايين الدولارات من هذه العملية ، مع أن نظام الاتحاد ينصّ على أنه منظمة غير ربحية.

ولعل خير مثال على ذلك حصول قناة الجزيرة الرياضية القطرية على الحقوق الحصرية لبث مباريات كأس العالم على الصعيد العربي خلال مونديالي جنوب أفريقيا والبرازيل. ومع حصول هذه القناة التي يمولها أمير قطر على الحقوق المذكورة اتبعت سياسة انتقائية أعطت بموجبها حقوق بث بعض المباريات لبعض القنوات العربية الوطنية وحرمت أخرى منها، وتخلل ذلك مفاوضات تحكمت الجزيرة خلالها بالشفرات والمبالغ التي ينبغي أن تدفع لمشاهدة المباريات، وقد وصل سعر شفرة المتابعة على جهاز التلفزيون الواحد في بعض الدول العربية إلى أكثر من قيمة الراتب الشهري للموظف. يزيد الطين بله ، حصول المحطة القطرية على حق احتكار مباريات الفيفا عربيا حتى عام 2022.

اتهامات لقطر بدفع رشاوى كبيرة

لم تدخل إمارة قطر على خط تهم الفساد الموجهة للفيفا من خلال حصر حقوق بث المباريات بقناة الجزيرة فحسب، بل ، وأيضا من خلال التحضيرات للفوز بحق استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022. فعلى الرغم من سجل الإمارة السيئ في مجال حقوق الإنسان ومجتمعها المحافظ والمغلق قليل السكان، و مناخها الصعب الذي يعرقل الأنشطة الرياضية في أجواء طبيعية، فقد فازت بحق الاستضافة بشكل فاجأ كثيرين.

منذ هذا الفوز ، توالت الاتهامات لمسؤولين قطريين بتقديم رشاوى وعقد صفقات مشبوهة من أجل دعم ترشيح بلادهم لاستضافة المونديال ، رغم أن الحكومة القطرية نفت مرارا وتكرارا أية علاقة لها بأنشطة كهذه. وحسب صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية دفع الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي لكرة القدم القطري محمد بن همام رشاوى بقيمة خمسة ملايين دولار لمسؤولين في الفيقا لأجل دعم هذا الترشيح.

في أحدث التهم ، ذهبت صحيفة “ميل اون صنداي” البريطانية في اتهاماتها إلى أبعد من ذلك عندما تحدثت عن تخصيص حوالي 24 مليار دولار لعقد صفقات مشبوهة على مستوى قارات عدة لصالح شركات وأشخاص وأندية قطرية وأجنبية ، ومن بين المعنيين الذي تشير إليه أصابع الاتهام ، ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ونادي برشلونة الأسباني.

كمؤشر على أهمية هذه الصفقات والصفقات الأخرى المرتبطة بتنظيم مونديال 2022 فقد انخفض مؤشر البورصة القطرية بنسبة وصلت إلى حوالي 3 بالمائة بعيد اعتقال مسؤولي الفيفا. وطال الانخفاض بشكل خاص شركات في قطاعات البناء والمال والنقل. ويخشى كثير من المستثمرين من التداعيات السلبية لهذا الاعتقال على حق قطر في استضافة المونديال، لاسيما وأن كثيرا من الأصوات تطالب بفتح تحقيقات قد تؤدي إلى سحب هذا الحق منها.

جدير بالذكر، أنّ الإمارة الغنية بالغاز رصدت مبالغ تزيد على 120 مليار دولار لأجل إقامة منشآت رياضية وتجهيز بنية تحتية تسمح باستضافة المونديال، وتنشط عديد من الشركات الألمانية في عمليات التصميم والتنفيذ في إطار صفقات بمئات الملايين من الدولارات.

أقيم الفيفا على أساس أنه منظمة غير ربحية ملزمة بإعادة استثمار أموالها في نشر كرة القدم من خلال مشاريع تنموية ورياضية. اليوم، تقدر عائدات الفيفا من مونديال 2014 لوحده بحوالي 2 مليار دولار أمريكي أنفق منها أقل من مليار واحد. في هذا الإطار ينبغي على الفيفا منح الحقوق على أساس إتاحة كرة القدم لمختلف شرائح المجتمع بدلا من بيع البطاقات وحقوق البث في بازار يتحكم فيه الأقوى ماليا. من مهام الاتحاد الأخرى ، ربط أنشطته في بلد ما أو منطقة معينة بمدى احترامها لحقوق الإنسان وحرية الرأي ، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

على ضوء ذلك فتح اعتقال مسؤولي الفيفا باب أمل أمام المطالبين بالإصلاح ليكون اتحادا يتمتع بالشفافية التي تعصمه عن الفساد وتبعده عن نفوذ دول وأشخاص ليست لهم صلات تُذكر بروح الرياضة السمحة، غير أن الانقسامات التي تشهدها الاتحادات الرياضية المؤثرة في الفيفا وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ونظيره الآسيوي تعيق ذلك وتفتح الباب مجددا أمام فاسدين قدامى وجدد لتولي مسؤولية القرار في أهم جمع عالمي يتابع شؤون الساحرة المستديرة.

سكاي نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.