زهير السراج : الى المجلس وقوى التغيير !!

* محاولة شراء الوقت التى يمارسها المجلس العسكرى الانتقالى ليست في مصلحة أحد، وعلى الأخص المجلس الذى يتولى السلطة ويدير شؤون البلاد هذه الأيام، والمسؤول الاول والوحيد أمام القانون والشعب والتاريخ عن كل ما ينجم من اضرار بسبب المماطلة وتمييع المواقف بغرض إيجاد موقع قدم في الفترة القادمة للذين كانوا جزءا من النظام المخلوع ويتحملون المسؤولية في تدمير البلاد، كما ان ارتهان الارادة السودانية لقوى اجنبية تحاول العودة بنا الى الوراء والتحكم في مصيرنا (كما تعتقد)، بحفنة من الدولارات أو تقديم الدعم السياسى من داخل المؤسسات الإقليمية التى تتولى ادارتها والتحكم فيها هذه الايام، كالاتحاد الافريقى، لعبة خطيرة يجب أن يبتعد عنها المجلس قبل أن يغرق ويغرقنا فيها كما فعل النظام المخلوع وما زلنا غرقى فيها !

 

* إذا ظنت السعودية والأمارات ومصر أنها تستطيع شراء الثوار والسودان بهذه المساعدات فهى واهمة، وإذا ظنت قطر أنها تستطيع فرض معادلة سياسية في السودان تستوعب الذين رفضهم الشعب من خلال الضغط الذى تمارسه على المجلس العسكرى بواسطة قناة الجزيرة، وأياديها الخفية في السودان، فهى واهمة، وإذا كان المجلس العسكرى يعتقد أنه يستطيع إرغام الشعب على قبول الفئة الباغية التى شاركت في تدمير البلاد عبر ورقة الوقت التى يلعب بها فهو واهم، وسيتحمل كامل المسؤولية القانونية والتاريخية عنها!

 

* بنفس القدر فإن الوضع يفرض على قوى اعلان الحرية والتغيير التى قادت الثورة الشعبية أن تكون اكثر تنظيما واكثر ذكاء في إدارة الثورة والتعبير بشكل افضل عن إرادة الثوار، وإقناع الشعب والعالم الخارجى أنها قادرة على إدارة البلاد خلال الفترة القادمة التى تحتاج الى مقدرات هائلة وخبرة وحنكة وحكمة وصبر لمعالجة المشاكل المستعصية التى نعانى منها ووضع اساس متين للتعاون مع المحيط الإقليمى والمجتمع الدولى يجنبنا الوقوع في التجاذبات والتحالفات ذات الغرض!!

 

* لا بد لقوى الحرية والتغيير ان تتوحد وتبدو متماسكة ومقنعة للشعب وللعالم حتى في المسائل الشكلية التى يظنها البعض غير ذات أهمية، ولكنها في حقيقة الأمر في غاية الأهمية، وتعطى إنطباعا أن قوى التغيير على قدر من التوحد والتنظيم والمسؤولية لادارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية!!

 

* لنأخذ على سبيل المثال (المؤتمر الصحفى) الذى عقدته قوى التغيير عصر أمس بقاعة ضيقة (ذات دلالة معينة) اكتظت بكل من هب ودب من الناس، وكأنها (حولية)، بينما المناسبة هى (مؤتمر صحفى) يجب ان يكون حضورا فيه ممثلو الصحف واجهزة الاعلام فقط وليس كل من هب ودب، وكانت النتيجة أن الكل ظل يتحدث ويعلق ويدلى برأيه في المكان الخاطئ بدون ان يعرف الناس من هو المتحدث والجهة التى ينتمى إليها، وضاع الصحفيون في الزحمة، وكان من الطبيعى أن يضيع حتى الشخص الذى كان يمنح الفرص (وهو الدكتور معاوية شداد، أستاذ الفيزياء بجامعة الخرطوم) ويتساءل محتاراً: (يا أخوانا وين ناس الفضائيات؟)، وحتى الصحفيون الذين اتيحت لهم فرصة السؤال لم يذكروا أسماءهم والجهات التى يمثلونها فكان المؤتمر (روكة كبيرة)؟!

 

* كما ان الاستماع لأكبر كمية من الأسئلة قبل الإجابة عليها، طريقة خاطئة في التعامل مع الاسئلة لا نراها الإ في السودان ابتدعها في الأصل النظام المخلوع الذى كان يستهين بالصحف والصحفيين ويعتبرهم (اولاد حرام) كما نعتهم بذلك أحد المسؤولين السابقين في إحدى المناسبات. هذه الطريقة او البدعة تتيح للمجيب الهروب من الإجابة، وتحرم السائل من الإستماع للإجابة عن سؤاله بشكل منفرد وليس لجملة من الاجابات لا يتبين من خلالها موضع السؤال الذى تقدم به، كما انها تظهر المؤتمر الصحفى وكأنه جلسة أنس أو (ونسة) أو اى شئ آخر إلا أن يكون مؤتمر صحفيا الغرض منه إتاحة الفرصة للسؤال عن حدث أو موضوع معين، ثم الإجابة عليه لتتضح الصورة عنه بشكل جيد!!

* أمر ثالث هو، أن إشتراك مجموعة من الأشخاص في الإجابة على الأسئلة يتيح الفرصة لظهور التناقضات، ويضعف التركيز، ويجعل المؤتمر يبدو في نظر البعض وكأن الهدف منه تلميع الأشخاص، وليس الإجابة على الأسئلة، كما ان الجلوس والاسترخاء خلال الاجابة، يفقد المؤتمر جديته، ويكرس فكرة أنه مجرد (جلسة أنس) أو (حوار) يدور بين أشخاص، وليس مؤتمرا صحفيا، مما يفقده معناه وأهميته خاصة في ظرف دقيق كالذى تمر به بلادنا. في كل بلاد العالم فإن شخصا واحدا فقط، أو على الأكثر شخصين إذا لم يكونا ينتميان لجهة واحدة (كرئيسى دولتين، أو زيرين من دولتين مثلا) هو او هما من يجيب على الاسئلة، ولكن ليس (شلة) يتفرق بينهم دم الأسئلة، وتتناقض الإجابات ويرتبك المشهد، ويتحول المؤتمر الى مجرد سفسطة!!

* بالإضافة الى ذلك ، فإن المؤتمر الصحفى نفسه لم يحمل أية معلومة جديدة عن المعلومات التى يعرفها الجميع، ولم يكن هنالك داعيا لعقده إلا إذا كان مقصودا منه (الشو الإعلامى)، ولكنه للأسف كان (شو) سئ جدا، خَصمَ من قوى الحرية والتغيير في عين المشاهد وأجهزة الاعلام التى تلهفت لحضوره وبثه على الهواء، لذا لم يكن غريبا أن تنسحب فضائيتا (الجزيرة والحدث) في منتصفه، وتقطعا البث، بعد أن اكتشفتا إفتقاده للمظهر والجوهر، أما تلفزيوناتنا فلا تزال تدور في فلك النظام البائد ومن يتحكمون فيها من زبانيته بدون أن يهز ذلك شعرة في جلد المجلس العسكرى!!

* أخيرا، لا بد من القول ان المؤتمرات الصحفية ليست مكانا لكشف الخطط والتحركات التى تدور في الخفاء ولم تتبلور بعض، لما قد يكون لذلك من أثر سالب على هذه الخطط ونجاحها، وكمثال لذلك ما أعلن عنه (الدقير) بأن الأستاذ محجوب محمد صالح أبدى لهم رغبته لقيادة وساطة بين المجلس العسكرى وقوى اعلان الحرية والتغيير لإستئناف التفاوض وأنهم بصدد الرد عليه، ولقد كان من الافضل ان تبقى هذه الوساطة وراء الكواليس حتى لا تتأثر سلبا بإنتشار اخبارها، كما أن الأستاذ محجوب ربما لم يكن راغبا في الكشف عنها وإلا كان اعلن عنها!!

 

* لا بد ان تظهر قوى اعلان الحرية والتغيير بشكل افضل من ذلك، وأن يكونوا اكثر تماسكا، ويتفقوا على ما يقال وما لا يقال امام اجهزة الاعلام، وإختيار ناطق رسمى واحد يتمتع بالخبرة والحنكة وقوة الاسلوب والمنطق .. وإذا استدعى الأمر وجود شخص آخر بمستوى قيادى معين فليكن شخصا واحدا وليس (شلة)، كما أن اختيار مكان المؤتمر الصحفى يجب ان خالياً من الدلالات، وواسعا ومجهزا بشكل جيد، ومسموحا بدخوله للصحفيين المأذونين من جهاتهم فقط، وليس السابلة والمارة، وهواة الكلام والمنظرة!!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.