هنادي الصديق : عودة المسخ المشوَّه

منذ أن وضح تمسك المجلس العسكري وتشبثه بالسلطة وعدم تسليمها لمدنيين كما جاء في جميع تصريحاتهم وبياناتهم، راهن الشعب على اعتصامه وعدم التنازل عن حقوقه التي انتزعتها قوى الاستبداد لأكثر من 30 عاما، ولعلي هنا اتفق مع الدكتور وليد مبارك، بأن الخلل في تركيبة المجلس العسكري من البداية هي نفس خلل تركيبة مجلس 1985، إذ لا يعقل أبدا أن تقتلع ثورة نظاما، ثم يأتي على رأس السلطة الانتقالية من كانوا ينتمون لنفس النظام البائد. وجه الشبه بين المجلسين هو أنهم لا يتمتعون أصلا بروح الثورة، ولذلك فهم وجدانيا غير متناغمين مع ملايين الثوار ولا صوتهم ولا مطالبهم شعاراتهم، فهم قد تمّ دفعهم دفعا لموقفهم المدعو زورا (انحياز للشعب) ولم يكن نابع من رغبة حقيقية في التغيير، كما ظلوا يصورون أنفسهم ويسوقون لها عبر مواقف باهتة لم تنطلى على فطنة الشعب الذي أصبح أكثر وعيا.

بالتالي فهم غير معنيين بقضايا التغيير الجذري لأن ذلك يعني بالضرورة تعرّضهم لهذا التطهير بحكم انتمائهم وارتباط مصالحهم بالنظام البائد، وواضح أيضا أن هذا التشبث بالسلطة مصدره الرئيسي هو الخوف في المقام الأول من أن تطالهم يد الثورة، ولذلك يقاومون بشدة تصفية آثار النظام البائد وقوانينه ومؤسساته.
هذا بالضبط ما حدث في 85 حينما سيطر المجلس الانتقالي على السلطة الانتقالية ورفض تصفية آثار مايو وقوانينها وأجاز قانون انتخابات أعرج فصلته جبهة الترابي آنذاك، واستطاعت تمريره لتفوز بـ 50 مقعدا في البرلمان بعد أن سمح قانون الانتخابات الجائر للخريجين الإسلاميين الناخبين والمرشحين التسجيل في دوائر الخريجين في مديريات الجنوب وبذلك اكتسحوا كل دوائر الخريجين في الجنوب بهذا التحايل الانتخابي.
وبعدها عادت جبهة الترابي لتتحكم في المشهد السياسي من جديد وهي التي كانت شريكة نميري في الحكم حتى قبل أسبوعين من قيام الانتفاضة عندما اختلفوا مع نميري فزج بهم في السجون، وبعد أسبوعين سقط نميري فخرج الترابي والإسلاميون من السجون في صورة المعارضين الأبطال، ونسي الشعب الطيب أفسد 8 سنوات من حكم نميري بشراكة الترابي وجماعته.

وهكذا تم إجهاض ثورة أبريل منذ يومها الأول عندما أصبح سوار الدهب وزير دفاع نميري هو نفسه رئيس المجلس العسكري الانتقالي، هذا غير ميوله الكيزانية الواضحة.
إذن ذلك المشهد يتكرر اليوم بتطابق مذهل، وفعلا ضلوع البرهان وحميدتي في ملابسات حرب اليمن والعمالة لمحور السعودية الإمارات والصفقات المشبوهة والتجارة بالذهب، جميعها مبررات واضحة لإصرار هؤلاء العساكر أن يكونوا في المشهد السياسي اليوم، الفرق الوحيد أن قوى الثورة المضادة قد نجحت في إجهاض انتفاضة أبريل، بينما قوى الثورة اليوم صاحية وواعية لكل محاولات السرقة والتغوّل والالتفاف، وتقف بصلابة لحماية الثورة ومكتسباتها والمطالبة باستكمال مراحل نجاحها.

فقط المطلوب من جميع فئات الشعب الباحثة عن التغيير السريع التي أدمنت إنتقاد قوى إعلان الحرية والتغيير ودمغه بالفشل، أن تراجع مواقفها جيدا وتعي تماما أن وفد التفاوض يواجه ذات المسخ المشوه الذي واجهها لـ 30 عاما وربما أسوأ من الصورة السابقة بجميع سوءاته ومكره وخبثه، وعليها أن تدعم موقف وفدها بمنحه مزيداً من الثقة والصبر حتى العبور الذي أراه وشيكا خاصة بعد قرارات الاتحاد الإفريقي الأخيرة.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.