زهير السراج : المجلس العسسى السامى !!

* قلتُ أول أمس أننا كلما تقدمنا الى الأمام لإيجاد صيغة حكم مقبولة خلال الفترة الإنتقالية يكون فيها للقوات المسلحة دور ــ لاعتبارات تتعلق بالظروف الحالية في البلاد والدولة العميقة التى تتربص بالثورة ــ إلا أن المجلس العسكرى يصر الى اعادتنا الى الوراء بتصرفاته الغريبة، وتطرقتُ الى نماذج مثل تكليف القاضى (عباس على بابكر) برئاسة القضاء رغم انتمائه الصارخ للنظام المخلوع واشرافه على مسيرة الهيئة القضائية الى الساحة الخضراء وهى تحمل شعار (تقعد بس) تأييدا للرئيس المخلوع بينما كان المتظاهرون السلميون يُقتلون برصاص كتائبه!!

 

* ومن النماذج، مماحكات النائب العام المكلف (الوليد سيد أحمد محمود) وتوجيهه اتهامات ضعيفة وزائفة للرئيس المخلوع تتعلق بالمال، بينما كان بإمكانه توجيه اتهامات واضحة له مثل تقويض الدستور والانقلاب على الشرعية في 30 يونيو 1989، وقتل المواطنين في دارفور التى اعترف بها المخلوع بلسانه، وهى اتهامات ثابتة عليه وعلى كثيرين من أعضاء عصابته، لا تحتاج الى تحرى وجمع أدلة والبحث عن شهود لإثباتها أمام القضاء، ولكن آثر النائب العام أن ينأى عنها، ولم يُظهر حتى مجرد رغبة في تحريكها، او الرد على المقالات التى تناولت هذا الموضوع، وتدثر بالصمت المريب !!

 

* تناول المجلس العسكرى في مؤتمره الصحفى أول أمس بعض العيوب التى يرى ان الاعلان الدستورى لقوى اعلان الحرية والتغيير اشتمل عليها، منها إغفاله للشريعة الإسلامية كأحد مصادر التشريع واللغة العربية كلغة رسمية للدولة، وهى مزايدة واضحة منه ومؤامرة فاضحة لنشر الفتنة بين الناس، فالاعلان الدستورى للفترة الانتقالية ليس هو المكان الصحيح لإثارة مثل هذه القضايا، وإنما الدستور الذى سيضعه البرلمان المنتخب، إلا إذا كان المجلس يسعى لاثارة الفتنة وشق الصف واستجداء العواطف باسم الدين ـ (كأبيه المخلوع) ـ لاحتكار السلطة!!

 

* نقطة اخرى توضح جهل المجلس المريع وغباء من يُملي عليه ما يقوله ويفعله، وهى قوله ان “الاعلان الدستورى لقوى اعلان الحرية والتغيير اعتمد وثيقة الحقوق في دستور 2005 ، بينما نص على تجميد العمل بهذا الدستور”، ولا ادرى ما العيب في ذلك، فقوى الحرية والتغيير ترى ان تكون وثيقة الحقوق الواردة في الباب الثانى من دستور السودان الإنتقالى لعام 2005 جزءا من الاعلان الدستورى، لأنها تتفق مع وجهة نظرها حول نوع الحقوق التى يجب ان يشتمل عليها الاعلان الدستورى للفترة الانتقالية، ولكن ليس غراما بدستور 2005 ، وكان بإمكانها عدم الإشارة الى الوثيقة والإكتفاء فقط بذكر الحقوق الواردة فيها، أما باقى الدستور فلا يجد لديها القبول، فما العيب في ذلك خاصة انه يحتوى على تعديلات كثيرة ومتنوعة ادخلها النظام المخلوع بعد انفصال الجنوب، تتناقض تماما مع وثيقة الحقوق وترسخ سلطة الفرد ..إلخ ؟!

 

* يقول المجلس العسسى إن الاعلان الدستورى ينص على ان تكون القوات النظامية خاضعة لسلطة مجلس الوزراء، بينما يرى هو انها (اجهزة سامية) يجب ان تكون خاضعة للمجلس السيادى، وهو قول مضحك. أولاً: ماذا يعنى بأن هذه القوات سامية .. هل هى أسمى من الشعب الذى تنتمى إليه أم ماذا؟، ثانيا: كيف تخضع قوى نظامية لمجلس سيادى هو (رأس الدولة ورمزها) ليست لديه سلطة تنفيذية عليها او على أية جهة أخرى!!

* القوى النظامية، وعلى سبيل المثال القوات المسلحة، تخضع لأوامر القائد العام الذى يخضع اداريا لوزير الدفاع الذى يخضع لمجلس الوزراء، بينما المجلس السيادى هو القائد الاعلى أو رأس الجيش، فالملكة إليزابيث في بريطانيا (مثلا) هى رأس الجيش البريطانى أو (القائد الأعلى) من ناحية سيادية فقط، وليست لديها عليه أى نوع من السلطة التى ينص القانون ان تكون بالتدرج في يد قائده العام، ثم وزير الدفاع فمجلس الوزراء، فلماذا يريد المجلس العسسى ان تكون لديه السلطة عليها خلال الفترة الانتقالية، وماذا ينوى أن يفعل بها، وما فائدة مجلس الوزراء إذا لم تكن لديه سلطة على القوات النظامية في البلاد، بما في ذلك الشرطة ؟!

* لقد ظللت اكرر القول وأدعو الفرقاء للوصول الى صيغة إتفاق معقولة تضع حدا للأزمة، حتى يشرع الجميع في تفكيك الدولة الكيزانية الخبيثة وإعادة البناء، ولكن إذا كان هذا هو فهم المجلس العسسى الذى يريد ان يفرضه على الشعب خلال الفترة الانتقالية، ويصر عليه، فلا سبيل للتفاهم والتفاوض معه بعد اليوم !

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.