إيلا.. “جديد” حالة انتشاء في الجزيرة بعد تسميته.. سِفر إنجازه يبعث التفاؤل بنسخ تجربة البحر الأحمر على الولاية.. هل بالإمكان

اطلقت سيدة أربعينية زغرودة، صاخبة فور إعلان تعيين الولاة، وظهور اسم محمد طاهر إيلا تحديداً، والياً لولاية الجزيرة، تفاؤلاً بعودة الأمل لإنقاذ مشروع الجزيرة، وإعادة الولاية إلى سيرتها الأولى، في أعقاب ظهور تكلسات وأمراض مُستعصية ضربت الولاية في السنوات الماضية، وسرعان ما انتشرت النكات الإسفيرية على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، واتس) وغيرها، للتعبير عن الفرح بالمستقبل الواعد. تقول إحداهن في صفحتها على (فيس بوك): “عرب وحظهم ضرب” باعتبار أن إيلا رجل ناجح، وقدَّم تجربة فريدة في البحر الأحمر، ما جعلها محطة أنظار وقبلة سياحية، كما تداول ناشط آخر طرفة أخرى مفادها ارتفاع سعر (الصديري) في سوق مدني إلى ثلاثمائة جنيه. ويتساءل ناشط إسفيري بعبارة ساخرة: “يا ربي بجيب معاه الكورنيش؟”. بينما توقعت ناشطة أخرى في صفحتها الإسفيرية أن يقيم الوالي الجديد مهرجان الجزيرة الأول للسياحة والتسوق في مدني، ورصف شارع النيل بكامله بالسيراميك. كل ذلك التفاعل مرده إلى حالة الانتشاء بقدوم الوالي الجديد وسِفر إنجازه السابق في ولاية البحر، الكل يتفاءل بنسخ تجربة البحر الأحمر على ولاية الجزيرة، هل ذلك بالإمكان أم تواجه الرجل الأزمات المُستعصية والمُرحلة منذ أمد بعيد والتي تتعلق بالمشروع والفساد والاستبداد الذي ضرب ولاية العلم والمعرفة مؤخراً؟

(1)

إيلا ولد في مدينة (جبيت) فهو ينتمي من جهة والده لقبيلة الأميراب (الموس حسيني)، ومن جهة الأم ينحدر من قبيلة القرعيب (الأب قاسماب) فهو هدندوي من الجهتين والهدندوة أكبر قبائل البجا، وكان ميلاده في العام 1951، من أسرة ميسورة الحال فوالده طاهر كان تاجراً وكان ثرياً وعرفت عنه مساهماته الكبيرة والمتواصلة في أعمال الخير والبر ودعم المشاريع الخدمية في ما كان يعرف في ذلك الوقت بمساهمات العون الذاتي. ولمحمد طاهر إيلا أربعة إخوة ثلاثة من جهة الأب وهم إبراهيم وموسى والمرحوم درير، وشقيقه عبد الله طاهر وله أخت واحدة من جهة الأب.

ويشير النائب البرلماني بتشريعي ولاية الجزيرة، عبد الكريم عبد الله محمد نور في حديثه لـــ(اليوم التالي)، إلى أن حظوظ إيلا في ولاية الجزيرة وافرة جداً لابتعاده عن التكتلات والشلليات طيلة مسيرته الحافلة بالذل والعطاء، موضحاً أن الولاية لها مطلوبات محددة وإيلا رجل مجرب وعليه بتصحيح مسار مشروع الجزيرة ومتابعة قانون 2005، وإلغاء اتحاد المزارعين والإسراع في تشكيل الجمعيات، والتعاون مع مدير المشروع عثمان سمساعة والاستفادة من خبراته وتجربته للنهوض بالمشروع وتحسينه بصورة جذرية ونهائية، مؤكداً أن الرجل عليه التركيز في إنشاء الطرق والمشروع بشكل كلي، لافتاً إلى أن إيلا ليس محسوباً على مجموعة وبإمكانه كبح جماح أي متفلت خاصة الذين يتحدثون خارج إطار المؤسسات، مبيناً أن إيلا بالتعاون مع مؤسسات الولاية سيقود الولاية باقتدار ونجاح، خاصة وأن الرجل مشهود له باستجلاب الرساميل المالية العالمية والوطنية لنهضة المشروعات، وأن الجزيرة ستكون على عهد جديد مع محمد طاهر إيلا.

(2)

محمد طاهر إيلان متزوج من ابنة عمه الأخت غير الشقيقة للدكتور حامد محمد إبراهيم وله من الأبناء ثلاثة طاهر وإبراهيم وأسامة وخالد وابنة واحدة تدعى سمية وقد تزوج ابنه طاهر وابنته سمية وأنجبا، وإذا عدنا لمراحل الدراسة فقد درس محمد طاهر إيلا المرحلة الابتدائية بجبيت في الفترة من 1958 وحتى 1962، والوسطى بسنكات في الفترة من 1962 وحتى 1966، وزامله في هذه الفترة المهمة في حياة الشاب محمد طاهر إيلا صديقه محمد طاهر بانفير، مدير الخطوط السودانية (سودان لاين) ببور تسودان، ويقول بانفير عن إيلا في هذه المرحلة إنه كان هادئ الطباع منفتحا في علاقاته، فلم يعرف عن إيلا الانطوائية أو الانعزالية عن الآخرين، بل كان (شخصية علاقات عامة) ويقول بانفير عن إيلا، إنه كان ذا نزعة متدينة وكان لأساتذتهم في تلك المرحلة دور مقدر في توجههم الإسلامي. وحول حظوط الوالي الجديد في الجزيرة، وإمكانية نجاحه للنهوض بمشروع الجزيرة، ومكافحة الفساد، يشير الكاتب الصحفي بكري حنينة، لــ(اليوم التالي)، إن هناك عقبات ستوجه الرجل خاصة تركيبة السكان المتباينة وصراع النفوذ داخل أبناء الولاية بعد أن ظهرت للعيان محاولات أبناء بعض القبائل الاستئثار بالسلطة والثروة، موضحاً أن إيلا ستواجهه أيضاً العقبة المتمثلة في عدم معرفته بثقافة المنطقة والصراع الخفي داخل أروقة ودهاليز هذه الولاية ذات الكثافة السكانية العالية ودرجة الوعي العالي في مفاصلها، مؤكداً أن الرجل سيلعب في غير أرضه وجمهوره، واعتبره المحك الحقيقي على قدرة الرجل الإدارية والسياسية لانتشال الولاية من حالة التردي المُريع والفساد وسوء الإدارة وعدم سيادة حُكم القانون.

ويقول السفير الطريفي كرمنو لــ(اليوم التالي)، إن ولاية الجزيرة ليست البحر الأحمر، وتختلف عنها اختلافاً جذرياً، خاصة وأن الرجل كان عليم ببواطن الأمور في ولاية مسقط رأسه، ويعرف مداخلها ومخارجها، ومواردها المادية والبشرية والميناء، ما ساعده على النهوض بالولاية خاصة مدينة بورتسودان وجعلها في سنوات قليلة مدينة سياحية قوامها مطار دولي وإذاعة محترمة، وتلفزيون ولائي ممتع جداً.

(3)

المهندس محمود نكسوب، زامل إيلا في المرحلة الثانوية بمدرسة بورتسودان الحكومية في الفترة من (1966 إلى 1970) الذي قال إن تلك الفترة شهدت نشاطاً وحراكاً في البيئة المدرسية، فقد كانت الثانويات في تلك الفترة تعج بالنشاط السياسي فأصبح للرجل نشاط تنظيمي واسع وسط كيان الحركة الإسلامية. وعن تلك الفترة من حياة إيلا يقول عبد الله كنة، أنه وإيلا وآخرين زملاء دراسة بمدرسة بورتسودان الحكومية الثانوية يضمهم كيان واحد باسم اتحاد الطلاب البجاويين الذي كان يستوعب كل أبناء البجا بمختلف ميولهم السياسية وكان في عضوية الاتحاد طلاب اليمين واليسار والوسط، وكذلك كان بين عضوية الاتحاد من الطلاب البجا الذين ليس لهم توجه حزبي، موضحاً أن إيلا، خلال تلك الحقبة كان متزناً رغم أنها فترة الشباب، ويفرض على الآخرين احترامه بأدبه الرفيع وأخلاقه السمحة، ولم يلاحظوا عليه أي علامات للتطرف أو الغلو أو التشدد أو التعصب لمذهبه أو لكيانه، وكان من أكثر الطلاب الذين بدت عليهم مظاهر الثراء وكان وضعه مستقراً وكان ذا عقلية اقتصادية وتجارية منذ تلك المرحلة المُبكرة من عمره، فقد كان والده من أصحاب الأموال المعروفين. ويشير السفير الطريقي كرمنو في إفاداته لــ(اليوم التالي)، إلى أن إيلا ستواجهه تعقيدات مشروع الجزيرة، لارتباطه بقانون يخضع للجرح والتعديل بين الفينة والأخرى، فضلاً عن تداخلات رئاسة الجمهورية ووزارة الزراعة والكهرباء وغيرها في المشروع، ما يؤكد أن الوضع سيكون مختلفاً بالكامل وتكاد تنعدم المقارنة بين الجزيرة والبحر الأحمر، لافتاً إلى أن الرجل سينجح حال وجد الدعم المعنوي والمساندة المادية من الحكومة المركزية ومواجهة تحديات الولاية، موضحاً أن الرجل وجد تعنتاً في القضية المتعلقة بتوصيل خط مياه من النيل إلى مدينة بورتسودان، وسيجد ذات المشكلة في حل مشكلة مشروع الجزيرة. لكن السفير تمنى للوالي الجديد التوفيق والنجاح في ولاية الجزيرة لإنجاز ما عجز عنه الولاة السابقون وتحقيق طفرة تنموية نوعية في الولاية المعطاءة.

(4)

طاهر بانفير الذي زامل إيلا في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم، يقول في تصريحات منشورة عبر الأسافير، إن إيلا، رغم أنه كان أكبر إخوته، وتوفي أبوه وهو في الجامعة، لم يصرفه فقد الأب واليتم والمسؤوليات التي آلت إليه عن الدراسة كما يفعل الكثيرون، بل واصل تعليمه بتفوق، وقد عرف طوال سنوات دراسته بالتميز، وكان قد دخل الجامعة في الأساس بدرجات عالية، وكان أكثر ما يميز محمد الهمة والحيوية والنظرة الثاقبة، وكان ذا شخصية جادة ويدافع عن آرائه باستماتة وموضوعية، وينتمي في الجامعة إلى تيار الحركة الإسلامية وفي الديمقراطية الثالثة أوكل إلى الرجل موقع رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية بالبحر الأحمر أدار خلالها النشاط السياسي للتنظيم بقوة واقتدار وحنكة سياسية، وأضاف بانفير بأن اجتماعات الحركة تسيطر عليها الحرية في إبداء الآراء، ولم يكن إيلا يفرض على المكتب رأياً ولم يُعرف عنه تسلط أو استكبار أو انفراد بالقرار بل كان يخضع لرأي المؤسسية والشورى ويقبل النصح، ويزيد أيضاً: “إنه ما زال محافظاً على ذات الصفات، والآن تحرص القيادات التاريخية في الحركة الإسلامية على التناصح مع الأخ إيلا بعد أن أصبح والياً للولاية، ولكن وفق الشروط والضوابط الشرعية والأخلاقية لمبدأ المُناصحة”. وتقول القيادية بالحزب الاتحادي الديمقراطي، مريم الشريف الهندي لــ(اليوم التالي)، إن شخصية إيلا لا تتواءم مع أهل الجزيرة، وتوقعت فشله بشكل كبير في مهمته الجديدة، وأشارت إلى أن الرجل شخصية حولها كثير من الجدل، وأبدت مريم أملها في أن يثبت إيلا هويته القومية وتفعيل محورها بشكل إيجابي.

(5)

بروفيسور عوض حاج علي، يقول إن شخصه وإيلا تزاملا في المرحلة الثانوية في العام 1967، وكان إيلا من مؤسسي الحركة الإسلامية بالمدرسة، وكانت تربطهما علائق أسرية وطيدة وراسخة، تطورت مع الأيام والزمن فعمهم أحمد باشا أطلق على أحد أبنائه اسم طاهر على اسم والد محمد، وإنهم عملوا سوياً في الحركة الإسلامية وتآخوا أخوة صادقة وكانوا في العطلات والإجازات يسافرون معاً إلى مدينة (جبيت)، ودخلا سوياً جامعة الخرطوم وعملا ضمن الاتجاه الإسلامي في جامعة الخرطوم، لافتاً إلى أن إيلا كان من قيادات الكوادر الإسلامية في ثورة شعبان وبعد الثورة تم طردهم من الداخلية وانتقلوا إلى السكن مع عيسى عمر عيسى في جامعة أم درمان الإسلامية في سكن خاص، وبعد التخرج عمل إيلا في هيئة الموانئ البحرية وعمل هو أستاذاً في الجامعة، موضحاً أن شخصه بُعث إلى خارج السودان، وأن إيلا كان يزورهم في بريطانيا كلما جاءت به ظروف البحث والدراسة في بريطانيا، ويضيف: عندما بعث إيلا لجامعة (كارديف) لنيل الماجستير، كنت أزوره أيضاً بحكم زيارتي العلمية والعملية لبريطانيا وكانت العلائق الخاصة بيننا تتنامى يوماً بعد يوم حتى أصبح بيننا كما بين الأشقاء. ويقول عوض حاج علي: “أيضاً كنا نتناصح وكانت المشورة قائمة بيننا وأذكر أنني نصحته بعد توقيع نيفاشا وذهاب وزارة الطرق والجسور للحركة الشعبية في قسمة السلطة، واستشارته قيادة الحركة الإسلامية والحزب في أن يذهب إلى وزارة اتحادية أخرى أو يذهب والياً للبحر الأحمر، نصحته حينها أن يختار تكليف الوالي على منصب وزير اتحادي رغم أن مغريات المناصب الاتحادية أكبر، وبالمقابل تتعدد وتتشعب مسؤوليات ومهام الوالي فقبل، إيلا التكليف في منصب والي البحر الأحمر وتصدى للمسؤولية التاريخية بكل شجاعة وقوة”. ويمضي حاج علي في حديثه ويضيف: أيضاً عرفته طوال فترة صداقتنا بالقوة والجرأة والصلابة، وقد كان إيلا ذا علاقات اجتماعية واسعة من كل القوميات السودانية فمن أصدقائه محمد آدم الدومة، وسليمان هاشم، وعثمان الهادي إبراهيم، وهاشم سكوتة، ولكن تعدد وتنوع علاقاته لم يحل بينه وبين الانحياز لأهله ولعل الأمر الذي لا يقبل إيلا التفريط فيه مطلقاً هو قضية النهوض بأهله البجا وكانت اهتماماته الكبرى وما زالت محصورة في ترقية مرافق المياه والتعليم والصحة في الشرق.

(6)

يرى بعض المقربين من إيلا، أن الرجل لديه وضعية متقدمة ورفيعة في الحركة الإسلامية، بفعل مجاهداته ونشاطه التنظيمي والتنفيذي، ويضيفون أنه ذا نزعة إنسانية حتى عند ألد خصومه، فرغم أنه مقاتل شرس عن رأيه ومبادئه وينافح ويدافع عن قضاياه وقضايا أهله إلا أنه طيب القلب ولا يعرف الفجور في الخصومة. ويضيف أحد المقربين منه عن جوانبه الأخرى، بأن الرجل رياضي من الطراز الأول ويهمس لنا بأن إيلا (اتحادابي) قح رغم أنه يميل لكل الأندية البورتسودانية، داعماً ومؤازراً فقد شغل موقع أمين المال بالنادي، وكان وما زال شديد الترابط مع أسرة النادي والمجتمع الرياض بأسره في بورتسودان. ويشير همد عبد الله، إلى أن المرحوم محمد عثمان حامد كرار حاكم الإقليم الشرقي إبان الديمقراطية الثالثة قال لهم إنني سأولي منصب وزير المالية بالإقليم لمحمد طاهر إيلا لما عُرف عنه من قدرات أكاديمية وعفة يد ونزاهة، كما إن لمحمد طاهر إيلا والحديث لهمد عبد الله، موقف سياسي عظيم إبان الضربة التي تعرضت لها مدرسة (عدوبنا) بالطائرات الإثيوبية فقد قذفت (عدوبنا) بقنابل عنقودية وكان ذلك في عام 1987، وكان سبب الضربة اتهامات إثيوبية بتدريب وتخريج كوادر بمدرسة (عدوبنا) الوسطى ترفد بها جبهة التحرير الإريترية، فجاء إيلا على رأس وفد من الجبهة الإسلامية القومية وزار المتضررين بالضربة في الأودية والخيران والسيول وكان لمجيء وفده الأثر الطيب في نفوس أهل المنطقة. ويشيرون إلى أن إيلا يتمتع أيضاً بشخصية كاريزمية وحنكة وتجربة سياسية ثرة، ويكفي أن الرجل عندما تسلم مقاليد الحكم بولاية البحر الأحمر كان متحمساً لإنجاز كثير من المشروعات بوقت وجيز، ولكنه كان يعمل في ظل خارطة زمنية محددة باتفاقيات ودستور ويواجه كثيراً من الضغوط داخلية وخارجية يُضاف إلى كل ذلك التزامات الولاية تجاه تطبيق عدد من الإتفاقيات، فقاد ثورة عمرانية وتنموية بالولاية جعلتها محل نظر من الكثيرين، وفي عهده شهدت ولاية البحر الأحمر حل أشهر متاعبها التاريخية فلقد حدث استقرار في الإمداد الكهربائي بعد وصول كهرباء سد مروي إلى البحر الأحمر عبر مسيرة مضنية

اليوم التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.