في يومه الأول.. رئيس أوكرانيا الجديد يعلن الحرب على مؤسسات الدولة

“أحل البرلمان الأوكراني الثامن.. المجد لأوكرانيا”.. بهذه العبارة ختم فلاديمير زيلينسكي أول خطاب له كرئيس لأوكرانيا بعد أداء القسم، ليصفق له الآلاف من أنصاره في الشوارع المحيطة بمجلس “الرادا” (البرلمان).

لكن داخل القبة لم يكن كخارجها، فقد ختم رئيس البرلمان أندري باروبي هذه الجلسة بالقول ساخرا “شكرا لكم.. كان الأمر مرحا”، ثم أقر أن هذا الأمر يتجه بالبلاد نحو أزمة سياسية وصيف شديد السخونة.

لم يكن قرار الحل مفاجأة وحده، فقد طالب زيلينسكي قبل ذلك أعضاء الحكومة بتقديم استقالاتهم، وتوجه إلى النواب مطالبا باعتماد قوانين إلغاء الحصانة عنهم، ومساءلتهم عن الإثراء غير القانوني، واعتماد قانون جديد للانتخاب، مضيفا “أمامكم شهران للقيام بذلك”.

كما طالب زيلينسكي النواب بإعفاء رئيس جهاز أمن الدولة “أس.بي.أو” فاسيل هريتساك، ووزير الدفاع ستيبان بولتوراك، والمدعي العام يوري لوتسينكو من مناصبهم.

وسارع هريتساك وبولتوراك فعلا إلى تقديم طلب الإعفاء من المنصب، ولمح رئيس الحكومة فلاديمير هرويسمان إلى وجود نية للاستقالة، فانضموا إلى سلسلة من المسؤولين الذين قدموا استقالاتهم مؤخرا، وعلى رأسهم وزير الخارجية بافلو كليمكين وممثلة الإدارة الرئاسية في البرلمان إيرينا هيراشينكو.

جبهة الداخل
بهذه الإجراءات السريعة والمفاجئة، يرى المراقبون أن زيلينسكي فتح النار على خصومه السياسيين، وأشعل أمامه حربا على جبهات الحكومة والبرلمان.

رئيس مركز “التحليل السياسي” أوليكسي هاران رد هذا في حديث مع الجزيرة نت إلى غياب الخبرة السياسية لدى زيلينسكي، قائلا “لقد حكم على نفسه بالفشل من أول يوم.. إنه بذلك يدخل حربا مع الأحزاب ستخلق أزمة سياسية داخلية، حتى لو كسبها جزئيا”، في إشارة إلى شعبية زيلينسكي الكبيرة حاليا، التي قد تمنحه نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان المقبل.

لكن الخبير رئيس مركز “القطاع الثالث” للتحليل السياسي أندري زولوتاريف يقول إن الكثيرين “توقعوا أن يكون البرلمان عقدة أمام زيلينسكي من خلال الانتخابات وما بعدها من تحالفات، وكذلك آخر القوانين والأحكام التي سنها مؤخرا، ووصفت بأنها تهدف إلى عرقلة الرئيس الجديد ووضعه في زاوية الأمر الواقع”.

وتابع “اللافت أن زيلينسكي قلب اليوم الطاولة على الجميع وهاجم النواب بقوانينهم، فقد استخدم -مثلا- بعض الجمل الروسية في خطابه، متحديا قانون اللغة الرسمية الوحيدة الذي أقر مؤخرا. كما بينت دعوته إلى استقالة الجميع أنه لا يأبه باستقالات المسؤولين والفراغات التي يتركونها في مراكز حساسة”.

تتوحد رؤية الجميع حول أن الأيام القادمة تخبئ توترا بين زيلينسكي ومؤسسات البرلمان والحكومة وجهاز الأمن وربما الجيش، وإن كانوا يختلفون حول الحكمة من هذه الإجراءات وتوقيتها.

تعهدات
بالإضافة إلى ما سبق، تعهد زيلينسكي مجددا بتحقيق عدة أمور، بعضها لا يقل جدلا في الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن البلاد تعيش أزمات لم تخرج منها.

زيلينسكي أكد على تمسك بلاده “بالمسار الأوروبي” لأوكرانيا، وأنه في الوقت نفسه سيفعل كل ممكن لوقف الحرب في الشرق واستعادة الأراضي الأوكرانية من روسيا، ملمحا إلى إمكانية بدء حوار مع موسكو بعد إطلاق سراح السجناء والأسرى الأوكرانيين لديها.

كما تعهد برفع رواتب العسكريين وتأمين السكن لهم، والعمل على “ألا يبكي الأوكرانيون خلال السنوات الخمس القادمة بعدما أضحكتهم طول حياتي”، في إشارة إلى خلفيته كفنان استعراضي كوميدي.

وقال زيلينسكي أيضا إن “الأوكرانيين 65 مليونا، فكثير منهم (نحو 23 مليونا) يعيشون في الخارج، وأنا أناشدهم العودة لبناء أوكرانيا معا، وأعدهم بتسهيل الحصول على الجنسية”.

تريث دولي
مراسم تنصيب زيلينسكي لم تخل من مفاجآت هي الأخرى، فقد عبر الحضور الأجنبي المتواضع نسبيا عن تريث دول العالم في التعامل مع الرئيس الجديد، لأسباب قد تعود إلى خلفيته الفنية وقلة خبرته السياسية وغموض توجهه.

وشارك في حضور المراسم نحو 40 ممثلا أجنبيا، بينهم رؤساء ألمانيا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا وجورجيا والمجر، في حين مثل الباقون رئاسة أو حكومات أو برلمانات بلادهم.

كان لافتا غياب رؤساء معظم دول الجوار عن حفل التنصيب الذي كان أشبه بالمقاطعة، ولهذا الأمر ما يفسره لدى الخبيرة في مركز “الدراسات الإستراتيجية” يوليا تيشينكو.

وتقول تيشينكو إن دول الجوار الشرقية تنسخ الموقف الروسي خشية العداء مع موسكو. وكان زيلينسكي جادا عندما لمح سابقا إلى ذلك بالقول إن أوكرانيا مثال لدول الاتحاد السوفياتي السابق، في إشارة إلى الحرية واستقلال الإرادة، على حد قولها.

وأضافت “ما زال الداخل والخارج يعيشان مفاجأة فوز زيلينسكي، فلا عجب أن تتريث دول الغرب مثلا، لكن حديث الرئيس -باعتقادي- تضمن رسائل طمأنة إلى الشركاء، تماما كما عبر عن رغبة في إنهاء الصراع مع الأعداء”، في إشارة إلى روسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.