زهير السراج : فخامة الرئيس حميدتى !!

* قبل ان أُعلق على حديث (حميدتى) بإن “قوى الحرية والتغيير خدعتهم بشعاراتها وتريدهم ان يعودوا لثكناتهم وتنفرد وحدها بالسلطة”، الذى يفضح النوايا الحقيقية التى ظل يستبطنها في الصعود إلى كرسى السلطة في السودان قبل ان يفصح عنها مؤخرا، أريد أن أتساءل: “أين هى ثكناتهم التى يتحدث عنها؟!”

 

* واضح جدا من حديث (حميدتى) ان عدم إستجابتهم (قوات الدعم السريع) لأوامر المخلوع باطلاق الرصاص على المتظاهرين والمعتصمين، لم يكن ناجما من الواجب الذى يحتم عليهم حماية المواطنين، ولكن كان مستندا على فكر انتهازى او طموح عارم ان يكون هو كقائد لهذه القوات أحد اضلاع السلطة إلى أن يتيسر له اختطافها والإستئثار بها لوحده!!

* تبدى ذلك جليا في تقمصه لشخصية رأس الدولة ــ بعد سقوط المخلوع ــ الذى يحدد نوع العلاقات والتحالفات الخارجية للسودان، ويردف ذلك بزيارة الى خارج البلاد لتأكيد هذه التحالفات، فضلا عن النشاط الداخلى الكثيف الذى يقوم به ويشبه نشاط رؤساء الدول مثل الحديث لاجهزة الاعلام في كل الموضوعات وإبداء الرأى وإصدار الفتاوى والقرارات، وزيارة مؤسسات الدولة المختلفة ومخاطبة العاملين ومنح الرواتب الاضافية والمكافئات المالية ..إلخ، بل وتهديد العاملين في الدولة بالفصل إذا أضربوا عن العمل .. !!

 

* كل هذه وغيرها من الأنشطة التى ولغ فيها (حميدتى) بعد سقوط المخلوع، تظهر بوضوح شديد التضخم الكبير في شخصيته والطموح الجارف الذى يسكن جوانحه بأن يكون الرئيس القادم للسودان، بل ربما ملك السودان، فهو ليس اقل من (إبن سعود) أو (إبن زايد) اللذين (يملكان) بلديهما ويلجآن إليه رغم ما يملكانه من قوة ومال لمساعدتهما في حرب اليمن .. فلماذا لا يكون مثلهما ملكا على بلاده، فهو صاحب القوة المسلحة التى تدين له بالولاء والطاعة بحكم الانتماء وما يغدقه عليها من مال يحصل عليه من الداخل والخارج؟!

 

* إذا عدنا قليلا الى الوراء لاكتشفنا ان كل ما تطلع إليه (حميدتى) يوما ما حصل عليه بسهولة، فهو من تاجر متواضع الى قائد في مليشيا الجنجويد التى كان يتزعمها (موسى هلال) ثم قائدا في قوات حرس الحدود التى شكلت مليشيا الجنجويد العمود الفقرى لها، ثم القفزة الكبيرة التى حققها بقيادته لقوات الدعم السريع وحصوله على أعلى الرتب العسكرية التى اغدق عليه بها الرئيس المخلوع كمكافأة على مشاركة قواته في مكافحة الحركات المتمردة في دارفور وجنوب كردفان وتوفير الحماية الشخصية له لدرجة أنه كان يطلق عليه إسم (حمايتى) بدلا عن (حميدتى) للتدليل على الحماية التى يسبغها عليه !!

 

* ليس ذلك فقط، بل ان الرئيس المخلوع إستجاب في احدى المرات لطلب حميدتى بالقبض على (الصادق المهدى) وايداعه سجن كوبر عدة اشهر عندما انتقد نتهاك قوات الدعم السريع لحقوق المواطنين في دارفور وكردفان، كما استجاب لطلبه بأن تتبع قوات الدعم السريع بشكل مباشر للقائد الاعلى للقوات المسلحة (وهو رئيس الجمهورية)، وليس للقائد العام القوات المسلحة السودانية ووزير الدفاع، وكان ذلك عندما اراد النظام السابق شرعنة قوات الدعم السريع وخلق وضع قانونى لها في البلاد، وصدر بناءً ذلك قانون قوات الدعم السريع لعام 2017 الذى لم يُعطِ القائد العام للقوات المسلحة السودانية اية سلطة عليها، مما حدا بقائدها (حميدتى) أن يتفاخر بذلك في لقاء تلفزيونى قال فيه إنه ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة (في سرج واحد) .. أى لهما نفس السلطات، وليس لوزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة السودانية أية سلطة عليه أو على جيشه، وهو وضع غريب وشاذ يسمح بوجود جيشين في السودان منفصلين إداريا وعسكريا عن بعضهما البعض، وليس من المستبعد ان يحدث بينهما صراع مسلح في اى وقت من الاوقات ولاى سبب من الاسباب!!

* صحيح، أن قانون قوات الدعم السريع أعطى القائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية) الحق في إصدار قرار بدمج هذه القوات في اى وقت من الاوقات في القوات المسلحة، ولكن ما لم يصدر هذا القرار من رئيس الجمهورية (القائد الأعلى)، تظل قوات الدعم السريع محتفظة باستقلاليتها الكاملة عن القوات المسلحة السودانية، وهو ما أعطى قائدها سلطات واسعة قبل وبعد سقوط النظام المخلوع، وخلق وضعا مميزا له داخل المجلس العسكرى، ولقواته وضعا مميزا فى المشهد الأمنى والعسكرى في البلاد خاصة مع الضعف الشديد وسوء التسليح اللذين تعانى منهما القوات المسلحة السودانية!!

* كل ذلك اسهم في التضخم الشديد لشخصية (حميدتى) وتنمية طموحه الجامح في ان يكون صاحب مركز سلطوى مرموق في السودان، إن لم يكن رأسا للدولة، وهو ما أغضبه على الشعار الذى رفعته الثورة وظلت تتمسك به وهو مدنية الحكم الذى لا يسمح له بتحقيق طموحاته وإستمرار الجاه الذى ينعم به، فضلا عن تخوفه من فتح بعض الملفات القديمة إذا فقد هذا الجاه، مما جعله يقول ان قوى الحرية والتغيير خدعتهم وتريدهم أن يعودوا الى ثكناتهم !!

* من حق (حميدتى) او اى شخص آخر أن يتطلع الى الاعلى ويحلم بما يشاء، ولكن ليس بواسطة القوة العسكرية أو السلطة التى يتمتع بها، أو على حساب الدولة الديمقراطية المدنية التى يمكن أن يكون جزءا منها في اى وقت إذا أراد .. عن طريق الوسائل السلمية المشروعة وليس القوة والسلاح !!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.