يوم أبادت أوروبا القطط فمات ثلث سكانها

خلال فترة العصور الوسطى، لجأت الكنيسة الكاثوليكية لملاحقة العديد من منتسبيها بتهمة الهرطقة وممارسة السحر والتعامل مع الشيطان. واعتماداً على جهاز محاكم التفتيش الذي سجل حضوره بكثافة ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، انتزع المحققون، تحت وطأة التعذيب، اعترافات خطيرة حول ممارسات غريبة من المتهمين الذين صدرت بحقهم غالباً أحكام بالإعدام حرقاً.

ولم تقتصر عمليات ملاحقة الساحرات وأتباع الشيطان أثناء العصور الوسطى على البشر فقط، حيث امتدت لتشمل بعض الحيوانات. ولعل أبرزها القطط، التي أدينت بموجب مرسوم باباوي.

 

البابا هونوريوس الثالث
وفي 19 آذار/مارس 1227، تولى غريغوري التاسع منصب البابا خلفاً لهونريوس الثالث. ومنذ البداية، تخوف البابا الجديد ممن وصفهم بالهراطقة ومخالفي معتقدات الكنيسة، وعلى رأسهم الكاثاريون. فبالإضافة للحملة العسكرية التي تعرض لها أتباع هذه الحركة الدينية ما بين عامي 1209 و1229 والتي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا، وضع البابا غريغوري التاسع أسس محاكم التفتيش لإنهاء معاناة الكنيسة مع مثل هذه التيارات الدينية التي هددت سلطتها. وعلى الرغم من عدم تأييده لعمليات التعذيب أثناء التحقيق، ساند البابا حرق كل من تثبت إدانته بالهرطقة أو ممارسة السحر.

 

وبرز، مطلع ثلاثينيات القرن الثالث عشر، في المناطق الألمانية، الراهب كونراد فون ماربرغ، الذي عين من قبل الكنيسة الكاثوليكية كمسؤول عن ملاحقة الهراطقة بعدد من كبرى المدن كترير وماينز.

وبحسب ما نقله المؤرخون، شارك كونراد فون ماربرغ بالحملات العسكرية على الكاثار. وبفضل جهوده نال تقدير وثقة البابا.

 

وأثناء فترات التحقيق مع المتهمين، تميز كونراد باستخدامه لأبشع طرق التعذيب والتي ارتكزت أساساً على التهديد بالحرق. وعند وقوعهم بين يديه، لم يكن للمتهمين سوى خيارين: إما الاعتراف بكل ما ينسب لهم وتقديم شهادات واعترافات كاذبة وقضاء بقية حياتهم بالسجون أو الموت حرقاً.

 

وما بين عامي 1232 و1233، راسل كونراد فون ماربرغ البابا غريغوري التاسع ليحدثه عن أمر طارئ وغريب، حيث نقل الراهب المقرب من السلطات الباباوية معلومات أكد من خلالها اكتشافه عن طريق التحقيق والتهديد بالحرق عن مراسم شيطانية غريبة لدى مجموعة من الكاثار المتهمين بالهرطقة. وبناءً على ما جاء في رسالته، قدم كونراد وصفاً دقيقاً لهذه المراسم وطالب البابا بالتدخل لمنع تكرارها.

وانطلاقاً من ذلك، أصدر البابا غريغوري التاسع في حزيران/يونيو 1233 مرسوم Vox in Rama. وبموجبه قدم البابا وصفاً دقيقاً لعملية استحضار الشيطان لدى هذه المجموعة السرية التي حدث عنها كونراد فون ماربرغ وطالب السلطات المعنية بالمنطقة بالتدخل لحماية المسيحية والقضاء على أتباع الشيطان.

 

ووفق ما جاء في مرسوم Vox in Rama، تعتمد هذه المجموعة على ضفدع عملاق لاستحضار الشيطان فيبرز لهم رجل ضعيف شاحب الوجه يعمدون لتقبيله للتخلص من كل ما يربطهم بالمسيحية. ومن ثم يتناول الحاضرون وجبة طعام جماعية. وحال الانتهاء من الأكل، يأتي أحدهم بتمثال قط أسود فيبدأ التمثال بالتحرك تدريجياً ليعود للحياة ويباشر بالمشي للخلف فيُقبله بعض أفراد المجموعة لتنطفئ إثر ذلك الشموع بالغرفة وتبدأ معها ممارسات غير أخلاقية بالمكان. وعلى حين غفلة، تضاء الغرفة مجدداً فيظهر في أحد زواياها شخص نصفه الأعلى إنسان ونصفه الأسفل قط ليحاورهم. واتهم البابا من خلال هذا المرسوم أفراد هذه المجموعة بتدنيس جسد المسيح خلال عيد القيامة وأدان القطط السوداء، مؤكداً على ارتباطها بالشيطان.

 

وانطلاقاً من المرسوم الباباوي Vox in Rama، تحولت القطط إلى أكثر الحيوانات المكروهة في أوروبا، حيث باشر الأوروبيون بمهمة ملاحقة وقتل القطط السوداء. فضلاً عن ذلك، تتبعت محاكم التفتيش كل من يملك قطاً أسود متهمة إياه بالتعامل مع الشياطين. ولاحقاً، توسعت هذه المذبحة لتشمل جميع القطط. وفي فرنسا تحولت عمليات قتل القطط إلى هواية. وفي مناطق أوروبية أخرى أقيمت مهرجانات لإبادة القطط ولعل أهمها مهرجان Kattenstoet بإيبر ببلجيكا.

وخلال الفترة المعاصرة، تثير قصة إبادة القطط جدلاً واسعاً، حيث يؤكد العديد من المؤرخين أن مرسوم Vox in Rama قد أدى لتراجع كبير لأعداد القطط بأوروبا، ما قابله تزايد سريع لأعداد الفئران والجرذان التي ساهمت في نشر وباء الطاعون الأسود، الذي تسبب بدوره في وفاة نحو ثلث سكان القارة الأوروبية.

ويرفض عدد من المؤرخين هذا الربط التاريخي، مؤكدين على الفارق الزمني الذي يتجاوز المائة عام بين تاريخ صدور مرسوم Vox in Rama وتاريخ ظهور الطاعون الأسود بأوروبا.

 

العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.