زهير السراج العفو مقابل التنازل!!

* المخلوع لم يتخلَ عن الكذب حتى وهو في السجن.. ويبدو أنه صدّق رواية أحد أعضاء المجلس العسكري التى تناقلتها الصحف وأجهزة الإعلام سابقًا بأنهم عندما أبلغوه بقرار الانقلاب قال لهم: “على بركة الله، أوصيكم على الشريعة والشعب السوداني”، فأخذ يرددها ويرويها للمقربين الذين تسمح لهم سلطات المجلس العسكري بزيارته في (مقر إقامته) المريح بسجن كوبر وآخرهم وفد المفوضية السودانية لحقوق الإنسان!!

 

* هذه الرواية كاذبة تمامًا، فعندما أُبلغ المخلوع بالانقلاب هاج وماج وأخذ يصرخ في وجوه مبلغيه (خونة.. خونة.. خونة)، ثم أخذ هاتفه واتصل بصديقه وصفيه (عبدالرحيم محمد حسين) طالبًا منه الحضور إلى قصر الضيافة ليؤدي القسم وزيرًا للدفاع ويقبض على الخونة، وهنا أصدر (الخونة) الأمر بالقبض عليه ووضعه قيد الإقامة الجبرية، كما قبضوا على (عبدالرحيم) وهو في الطريق إلى قصر الضيافة، وهو ما يفسر السبب في أنه كان أول شخص من مسؤولي العهد البائد يُقبض عليه بعد القبض على المخلوع مباشرة.

 

* الشيء الذى لم أجد تفسيرًا له حتى الآن هو لماذا حاول المجلس العسكري الترويج لواقعة كاذبة وإظهار الرئيس المخلوع بمظهر الشخص الصابر الحريص على الشريعة والشعب عند إبلاغه بقرار الانقلاب، بينما ظهر عكس ذلك تماما؟.. هل هو نوع من التعاطف مع ولى نعمتهم السابق، أم تأثر شديد بأكاذيبه حتى صاروا مثله لا يشعرون بالارتياح إلا إذا كذبوا؟!

 

* آخر أكاذيبهم.. الحديث عن مشاركة رئيس القضاء في اجتماع دعا له المجلس العسكري لفض منطقة كولومبيا، التى نفاها بيان صادر عن المكتب الفني للهيئة القضائية بقوله إن رئيس القضاء رفض المشاركة في الاجتماع باعتباره أمرًا لا شأن له به حسب قانون الهيئة القضائية، مما يزيد موقف المجلس العسكري تعقيدًا، ويعري الأكاذيب والتناقضات التي ظل يدلي بها حول جريمة فض الاعتصام التي تضعه في خانة الاتهام بارتكاب جرائم قتل ومحاولة قتل وتسبيب الأذى الجسيم.. إلخ مما يجعل كل من أمر بها وشارك فيها عرضة لعقوبة الإعدام والسجن!!

 

* في رأيي، ليس أمام المجلس العسكري سوى أحد خيارين: إما الاعتراف بالجريمة وتقديم استقالة جماعية في مقابل الحصول على عفو عام وعدم الملاحقة القضائية في المستقبل، شريطة موافقة أصحاب الحق الخاص (المصابون وأسر الضحايا)، وهو أمر معمول به في معظم الدول لتحقيق المصلحة العامة، أو التمسك بأكاذيبه وتناقضاته واستمرار فرضه للأمر الواقع والتسمك بالسلطة والتحول إلى عدو للشعب والتسبب في حدوث جرائم أكبر وتحويل البلاد إلى مستنقع للفوضى والاضطرابات وتحمل المسؤولية القانونية والتاريخية والأخلاقية المترتبة على ذلك، والسقوط في مذبلة التاريخ!!

 

* المسألة في غاية الوضوح.. هنالك جريمة فادحة ارتكبت ولا مجال للتلاعب والتفريط في أرواح ودماء ومعاناة ضحايا تلك الجريمة البشعة، ولكن بما أن الذى يمكن أن يترتب على التمسك بمعاقبتهم وقوع ضرر أكثر فداحة وحدوث فوضى وفقدان المزيد من الأرواح وسفك المزيد من الدماء وتسبيب المزيد من المعاناة، فإنني ومن منطلق تحقيق المصلحة العامة واستنادًا على القاعدة الفقهية والقانونية بأن (دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة)، أتقدم باقتراح أجد نفسي مضطرًّا له رغم عدم ارتياحي له، وهو العفو عن المجلس العسكري بكامل عضويته فيما يتعلق بهذه الجريمة وكل الجرائم التي سبقتها (إن وجدت) في مقابل تقديم استقالتهم من المجلس والمواقع الأخرى التى يشغلونها؛ العسكرية والمدنية، وتكليف أشخاص آخرين من القوات المسلحة السودانية من أصحاب التاريخ الناصع يكونوا محل ثقة الجميع، ولو تطلب الأمر استدعاء بعضهم من التقاعد وإعادة تعيينهم في القوات المسلحة، ليتولوا مواصلة ترتيبات نقل السلطة إلى المدنيين من المكان الذي توقفت فيه والمشاركة في مجلس سيادي مدني عسكري بسلطات رمزية يضمن تحقيق مطلوبات الفترة الانتقالية والتقدم نحو الدولة المدنية الديمقراطية الكاملة!!

 

* من المؤكد أن البعض سيعترض على هذا المقترح باعتباره مساومة بأرواح عزيزة فُقدت ودماء طاهرة سُفكت في جريمة بشعة تميزت بالغدر والخسة وسبق الإصرار والترصد، لا سبيل للتعامل مع مرتكبيها سوى تقديمهم للعدالة وتحقيق العدالة الكاملة للضحايا وأسرهم الكريمة، ولكن بما أن التمسك بهذا المبدأ القانوني والأخلاقي الأصيل قد يقود إلى وقوع أضرار أكثر فداحة ويعصف بالمصلحة العامة، أجازت القوانين في معظم دول العالم بما فيها السودان العفو عن المجرم أو تخفيف العقوبة عنه تحت ظروف معينة مقابل اعترافه بالجريمة والتنازل عن سلطته أو مصلحته الشخصية.. وهو ما دعاني لتقديم المقترح آنف الذكر، على أمل مناقشته بهدوء والتوصل إلى صيغة مثلى لتنفيذه بشكل مقبول للجميع وعلى رأسهم أسر الشهداء والضحايا والمتضررين الذين ستظل تضحياتهم الغالية جميلا يطوق أعناقنا ونورا يضيء لنا الطريق أبد الدهر، إن شاء الله الكريم.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.