د.ناهد قرناص : من وراء حجاب

جزيرة (سوارتي) كانت هي موطن اهل ابي رحمه الله في حلفا ايام عزها قبل الغرق ..الجزيرة كانت محاطة بالمياه من كل الجهات وكانوا فيها يعيشون في دعة يزرعون ويحصدون ولا ينقصهم الا (عدم رؤيانا الغالية )..كانت اخبار العالم تصل اليهم عندما يأتي من حلفا زائر الى الجزيرة يحمله المركب فيلتف الجميع حوله ليسمعوا اخبار الاهل البعيدين ..وربما حمل لهم بعض الاخبار العامة من امثال ان هناك اختراعا جديدا اسمه التلفزيون او التلفون . كان اهل سوارتي مثال تندر ناس حلفا لبعدهم عن الاخبار الطازجة لكن أهلي كانوا في شغل فاكهون لا يهمهم شئ .. حياتهم تسير بكل هدوء ..وكانوا يضربون بهم المثل لكل من يعيش بعيدا عن العالم ولا يهمه شئ قائلين (سوارتي نتو نقرا ) اي انه مثل اهل سوارتي معزول وسعيد .

انترنت بلاك اوت ..يعني (قفل البلف) ..يعني البلاد باكملها خالية من شبكات التواصل الاجتماعي .. ..لا توجد اخبار طازجة ..لا يمكنك ان تطلع لايف ولا تعمل شير ولا لايك ولا كومنت ..لا فورورد ولا كوبي بيست ..انعدمت وسائل التواصل الاجتماعي من كل البلاد وصار السودان باكمله مثل جزيرة اهلى قديما ..واصبح السوادنيين داخل السودان (سوارتي نتو نقرا)

…ارادوا بالبلاك اوت التكتم على ما حدث من مذبحة واهوال يشيب من اجلها الولدان .. فات عليهم ان هناك مراسلين اجانب واقمار صناعية وان هناك مغتربين سودانيين أجسادهم في الغربة وقلوبهم في السودان ..رفعوا الهاشتاقات ..سيروا المواكب واعتصموا في الميادين وامام السفارات ومقار الحكومة في كل انحاء العالم ..تحركت على اثر ذلك المنظمات الدولية وتدخلت بصورة فاعلة ..ومارست ضغوطا غير مسبوقة ربما تحدث نتائجا في القريب العاجل باذن الله .

كان من المفترض ان يفعل (البلاك اوت) هذا الافاعيل في سوارتي نتو ..اقصد السودانيين ..لكنهم (ديل اهلي) ..لم يفت في عضدهم غياب التغطية الاخبارية ولم تنطلي عليهم اكاذيب التلفزيون القومي التي حشدوا لها كل الافتراءات التي لم تخطر على بال وأسقطوها على ميدان الاعتصام وجعلوه بؤرة من الفساد وكانه كان في كوكب زحل ولم يكن في عمق العاصمة ومحط قلوب اهلها ومهبط القادمين من الولايات والاقاليم …اعتقدوا بان العزل الوسائطي هذا سيوقف تناقل اخبار الثورة ويشتت الجهود ويضيع المجهودات التي بذلت طوال اشهر من التظاهرات ..لكن ذلك لم يحدث فقد فات عليهم ان (سوراتي نتو) يستطيعون الحياة دون وسائط ..انهم هم الوسائط ..طاف الاولاد بالشوارع وهم يرفعون عقيرتهم بالنداء للعصيان ..كتبوا على الحيطان ..وزعوا المنشورات ..وكان العصيان ..اعظم عصيان على مر الزمان رغم البلاك اوت ..اقفلت المحلات وخلت الشوارع من المارة ..والغت كثير من خطوط الطيران رحلاتها الى الخرطوم …كل العالم تجاوب مع العصيان المدني في السودان ..والمفارقة انه ورغم انقطاع الانترنت ..فان هاشتاق العصيان المدني الشامل تصدر في توتير ..وعم القرى والحضر.

حكى لي بلدياتي انه عندما كان صغيرا في حلفا ..توفى خاله ..فارسله والده ليخبر خاله الاخر في الجزء البعيد من حلفا ..ركب حماره وسار في طريقه ..ليقابله الخال في منتصف الطريق وهو يبكي اخاه ..اندهش بلدياتي وساله من اخبره ؟ فقال له صرخت امك بان اخاها مات ..فصرخت جارتها وجارتها التي تليها وكان ان تناقل الصراخ حتى وصل بيته في الجهة الاخرى ..وهذا مافعله اهل السودان ..تناقلوا الصراخ حتى وصل الخبر الى أهله ومحله. ..ان الم الفقد يجعل الصراخ عاليا لا يحتاج الى وسائط نقل ..ولا سوشيال ميديا .

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.