زهير السراج : حكومة أم حكومتان؟!

* بينما أجلس لكتابة هذا المقال (أمسية أمس الإثنين)، يكون الاجتماع المرتقب لقوى الحرية والتغيير قد التأم بدار حزب الأمة للنظر في المقترح الذي تقدم به (الصادق المهدي) لتشكيل مجلس قيادي من قادة تكتلات قوى إعلان الحرية والتغيير يتولى القيادة وإنهاء حالة الارتباك التي تسود التحالف خاصة فيما يتعلق بإصدار القرارات الجوهرية مثل إعلان الإضراب السياسى الذي اختلف عليه الحلفاء في وقت سابق، وأوقع الكثير من الجدل وتبادل الاتهامات بين قادة اثنين من أهم مكونات قوى الحرية والتغيير هما حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي السوداني، وكاد يشطر التحالف إلى قسمين، لولا وقوع جريمة فض الاعتصام التي وحدت المشاعر والرؤى وجمدت الخلافات، وكما يقال: “رب ضارة نافعة”.

 

* المقترح نفسه كان محل خلاف بين بعض مكونات قوى الحرية والتغيير عندما عرض من قبل، فبينما رأى الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين عدم ضرورة وجود مجلس قيادي والاكتفاء بالهيئة التنسيقية التي تتولى التنسيق بين مكونات القوى المختلفة في إصدار القرارات. رأى حزب الأمة وبقية الكيانات أن وجود مجلس قيادي أمر ضروري للاتفاق حول القضايا الجوهرية، على أن تختص الهيئة التنسيقية بالمسائل التنفيذية فقط.

 

* في رأيي أن المجلس القيادي بات ضرورة ملحة لتوحيد القرار ومنحه القوة المطلوبة، خاصة مع احتدام المعركة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حول الفترة الانتقالية وشكل وهياكل الحكم، وربما تسفر الأيام القليلة القادمة عن فض المجلس العسكري للشراكة كما فض الاعتصام من قبل، وتشكيله لحكومة تصريف أعمال من المستقلين وبعض القوى الورقية والنفعية المتحالفة معه. إذا اتخذ المجلس العسكري هذه الخطوة الخاطئة، لن يكون أمام قوى الحرية والتغيير إلا الإعلان هي الأخرى عن حكومة مدنية تقود البلاد خلال الفترة الانتقالية وتصبح في السودان حكومتان. هذا ما فهمته من حديث دار بيني وبين الإمام (الصادق المهدي) ظهر أمس، غير أنه يأمل الا تتطور الأمور في هذا الاتجاه، وتنجح الوساطة في التوفيق بين الطرفين.

 

* يرى (الصادق المهدي) أن تقود عملية التوسط لجنة وساطة قومية كالتي تشكلت في السابق من بعض كبار الشخصيات القومية مثل أستاذنا (محجوب محمد صالح)، تتولى التنسيق بين المقترحات والمبادرات الوطنية والإقليمية والدولية المتعددة، والاتصال بكل القوى المعنية؛ المجلس العسكرى، قوى الحرية والتغيير، الجبهة الثورية، والقوى السياسية التي لم تتلوث بسدانة النظام البائد. يقترح الصادق المهدى أن تؤدي اللجنة دورا أشبه بلجنة التحكيم بين الأطراف المختلفة، تكون موضع قبول من الجميع، وأن تكون حكمة الوسطاء هي الوسيلة لتجاوز الخلافات المحتملة بين القوى السياسية فيما بينها وبين المجلس العسكري وبين أعضاء المجلس العسكري. أي لجنة وساطة تتوسط بين أطراف الوساطة وبين مكونات هذه الأطراف، إذا لزم الأمر.

 

* في ورقة عمل صغيرة تحت عنوان: “يا قومنا تعالوا إلى كلمة سواء بيننا” اشتملت على تلخيص مختصر لحركات المقاومة ضد النظام المخلوع منذ يونيو 1989، والمشهد السياسي بعد نجاح الثورة، يرى (الصادق المهدي) أن تلتزم كل المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية بدعم المطالبة بتحقيق مستقل في أحداث 3 يونيو (هكذا وصفتها الورقة)، الدعوة لقيام مرحلة انتقالية مدنية ملتزمة بالسلام والتحول الديمقراطي، الوقوف إلى جانب فرض عقوبات إذا تقاعست الأطراف السودانية عن بناء السلام والديمقراطية، دعم كافة المنافع للسودان كإعفاء الدين الخارجي وسائر مطالب السودان المشروعة، بذل جهد لإقناع العناصر السودانية الممانعة للالتحاق بمشروع الوفاق الوطني، دعم المبادرة الوطنية السودانية، بالإضافة إلى التنسيق بين المبادرات.

 

* كما تقترح الورقة أن يتفق كافة الفرقاء على أن يكون اختيار الأشخاص على المستوى السيادي والتنفيذي من الخبراء في مجالات اختصاصهم وذوي الخبرة الإدارية والوعي السياسي بلا إنتماء حزبي، على أن تترك لآلية الوساطة القومية تسمية الأسماء؛ بمعنى: أن تتنازل قوى الحرية والتغيير ــ حسب مقترح الصادق المهدي ــ والكيانات والأطراف الحزبية الأخرى عن أنصبتها في الجهازين السيادي والتنفيذى خلال الفترة الانتقالية. لا شك أنه اقتراح شجاع وجريء، وأذكَّر أن حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني أعلنا في السابق عدم مشاركتهما في الجهاز التنفيذي خلال الفترة الانتقالية والاكتفاء بالمشاركة في المجلس التشريعي.

* سألت (الصادق المهدي)، هل في رأيك أن ما تبقى من وقت يكفي لوضع كل ما حملته الورقة موضع التنفيذ، خاصة مع الأحداث المتلاحقة والمواقف المتغيرة من البعض من يوم لآخر، فأجاب بأن عشرة أيام فقط تكفي لاكتمال كل هذه المهام.

* دعونا نرى ماذا سيحدث في اجتماع قوى الحرية والتغيير مساء اليوم (أمس) بدار حزب الأمة الذي سيناقش تكوين المجلس القيادي وورقة العمل التي تقدم بها الصادق المهدى، ونحكم بعد ذلك على تطلعاته وآماله للمشهد السياسي السوداني في المستقبل القريب جدا، هذا إذا لم يفاجئنا المجلس العسكري بحكومة تصريف الأعمال التي يهددنا بها كل يوم وكأن تكوين الحكومات أصبح (دودو) لتخويف الشعوب من اللعب في الشارع!!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.