حيدر المكاشفي : هاك الانقلاب دا

توالي وتتابع أخبار الانقلابات بمتوالية هندسية، بواقع انقلاب ونص كل شهر في الفترة من 11 أبريل وإلى 11 يوليو، إذ وقعت خلال هذه المدة – متناهية القصر – أربعة انقلابات بحسب بيانات المجلس العسكري. هذا التتابع و(التوالي) المزعج لأخبار المحاولات الانقلابية بدرجة تضعها بامتياز على رأس موسوعة جينس، جعل الناس ينقسمون إزاءها مابين مصدق ومشكك، بعض الآراء ذهبت إلى إمكانية صحة خبر المحاولة الانقلابية الأخيرة التي أذيعت عبر خبر مقتضب يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات ويزيل من غموض، ولكن رغم ذلك لم يستبعد هؤلاء أن يكون بعض الإسلاميين من عسكريين ومدنيين قد بدأوا التحرك لإفشال الاتفاق السياسي الوشيك بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، ويدعم هذا الافتراض بعض التسريبات التي أشارت إلى عقيد بالمعاش – ذكرته بالاسم – قالت إن له علاقة بالانقلاب المفترض، وكان في طريقه إلى خارج البلاد إلا أن السلطات قطعت عليه الطريق واعتقلته، هذا ما كان بشأن من يميلون لتصديق خبر المحاولة الانقلابية الأخيرة.

أما الأغلبية الساحقة من الجماهير فقد تلقت الخبر ليس فقط بالتشكيك في حقيقته، وإنما أيضا بموجة من التهكم والسخرية، ولا تثريب عليهم في سخريتهم فللمجلس العسكري سجل حافل بالأخبار المتضاربة بل والمضللة، هذا إضافة إلى إعلانه عن ثلاث انقلابات سابقة لم يتم حيال مخططيها المزعومين أي شيء، بل تحدثت أخبار عن إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، هذه الأريحية في إعلان أخبار الانقلابات (الفشوش)، يقول عنها المكذبين لها أنها تذاع كل مرة كتكتيك للتنصل عن اتفاق أو توطئة لإدخال تعديلات جوهرية على ما سبق أن اتفقوا عليه، ومن عبارات السخرية اللاذعة التي سكها المشككون في حقيقة الانقلابات على سبيل المثال قول أحدهم عند ما يصحو الصباح: “أها يا جماعة الليلة في انقلاب ولا نسخن البايت”، ومنها ما يأتي في صيغة مداعبة كأن يقول أحدهم للآخر: “هاك الانقلاب دا”..

طريقة المجلس العسكري في الإعلان عن الانقلابات، تعيد للذاكرة حكاية تلك الصحيفة السودانية في الستينيات، والتي كتبت – في أحد أعدادها – بالبنط العريض عنوانا يقرأ: “انقلاب عسكري”، وعندما تدافع القراء لشرائها والوقوف على التفاصيل وجدوا أن المعني هو عسكري مرور انقلب بموتره عدة مرات، كما تعيد أيضا حكاية اللواء أحمد عبد الوهاب الذي كان جزءًا من حكومة عبود وأحد كبار جنرالاتها، وحين حاولوا إبعاده تمرد عليها ومعه مجموعة من الضباط منهم عبد الرحيم شنان، ومحي الدين أحمد عبد الله، فما كان من عبود ورفاقه إلا أن أعادوا استيعابهم في نظام الحكم بدلًا من اقتيادهم إلى المشانق، وبعد.. لقد أدخل المجلس العسكري نفسه في (حتة بايخة) ليس له مخرج منها إلا بتمليك الشعب السوداني الحقائق الكاملة عن هذا الانقلاب الأخير وإحاطتهم بكل التفاصيل (والتلاتة الأخريات ما بيناتنا عفيناها ليكم)..

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.