حيدر المكاشفي : الجنجويد.. سيرة تتجدد

كنا نظن مخطئين أن تلك المليشيات المرعبة من شاكلة جنجويد وتورا بورا وبشمرقة لم يعد لها وجود، وأنها اندثرت وتلاشت وطواها النسيان وحلت محلها تشكيلات أخرى بمسميات جديدة، ولكن للأسف وضح أن الجنجويد مازالوا موجودين وإن كان وجودهم الحالي ليس بذات المسمى السابق، وإنما بذات سماتهم وصفاتهم وتفلتاتهم، يمارسون القتل والدهس المجاني بلا مبالاة وباستسهال عجيب وكأن الواحد منهم يذبح دجاجة ليتغدى بها، ورغم بشاعتهم وفظاظتهم وجلافتهم لم يتصد لهم أحد من المجلس العسكري المنوط به حفظ الأمن وسلامة المواطنين.

بل للعار والشنار دون أن يجرؤ على زجرهم أحد أو يقوى على قولة (بغم) في وجوههم، دعك من محاسبتهم ومعاقبتهم ووضع حد لفوضاهم القاتلة، وليس أدل على ما نقول من وقوع عدد من عمليات القتل والدهس والضرب و(الفتونة) في أماكن مختلفة من البلاد تطابق تماما طرائق الجنجويد وقع الطلقة على الطلقة و(الكمدة بالرمدة)، وكان أن سقط عدد من المواطنين الأبرياء ضحايا لهذه الهمجية التي تشبه تماما همجيات الفتوات والقبضايات وقطاع الطرق. 
إن مجرد ذكر (الجنجويد) يعيد للأذهان خبر تلك الجماعة المتفلتة التي قيل في تعريف مسماها إنها اختصار لـ(جن، جاء، راكب جواد وشايل جيم ثري)، وأحياناً يتم اختصارها في عبارة (جنجا) الأقرب لفظاً لـ(نينجا)، والنينجا هي تلك العصابات اليابانية الخطيرة التي تتقارب مع الجنجويد في المسمى والأفعال والخطورة والفظاعة والفظاظة، ويطلق بعض المساخيط على من يرتدين النقاب الأسود مسمى (النينجا) ربما بعامل الغطاء الأسود عند كل.

وكان مصطلح الجنجويد قد راج وذاع وانتشر حتى بلغ درجة العالمية ودخل المعاجم الأعجمية واحتل مكانه على خشبات المسارح ودور السينما على مستوى هوليوود، وطاف على الكونغرس والأمانة العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وبلاد تركب الأفيال وأخرى تموت من البرد حيتانها، ثم من بعد الشهرة السالبة التي وجدتها جماعة (جن راكب جواد وشايل جيم)، أطل علينا زمان جماعة (راكب موتر وشايل كلاش)، في تأسي وتوارث عجيب لتراث العنف والقتل والسطو وإشاعة الذعر وبث الفوضى.

وتعاقب أجيال الفواجع والمصائب والمحن التي لا تأتي فرادى بل محنة تعقبها فاجعة تليها مصيبة وهكذا دواليك، فدلاليك الحروب والصراعات لم تكف لحظة عن الرزيم إلا بالمقدار الزمني الذي يسمح بنقلها إلى مكان آخر، وستظل هذه الكأس دائرة ما ظلت ثقافة الحرب هي السائدة، وثقافة الحرب لا تسود إلا حين تضمر الدولة ويتضخم القيادات وتغيب قيمة المواطنة وتصبح المليشيات هي من يأخذ الحق والقانون بيده، وعندما تسود العنصرية، ويتوهم مكوّن ما أو جماعة ما أنهم الأعلى شأناً من الآخرين، يضطهدونهم ويهمشونهم، فتغيب قيم التعايش والتسامح والتنوع ويستشري البؤس والدمار.

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.