حيدر المكاشفي: كلام واحد زهجان وقهران

حملني مواطن أشعث أغبر فاض به الغيظ والضيق من الحال العامة أمانة أن أوصل ما يريد إبلاغه للجميع، وها أنذا أفعل دون أي تدخل مني سوى عملية الصياغة والتحرير لما قال بدارجة قحة، وإليكم ما قال:
ماذا بقي لنا من مظاهر التعاسة والشقاء لم نكابده سوى إيمان أهل السودان وصبرهم على المكاره وجلدهم في مقارعة الخطوب والشدائد، وإذا أضفنا إلى هذه المأساة التي خلفتها ثاني مطرة تهطل بالعاصمة، الأزمات التي تطوق البلاد من كل حدب وصوب، و«التحشرات» التي تنتاشها من كل ناحية وجهة، لقلنا إن القيامة ولا شك ستنطلق من أرض السودان لولا ذات الإيمان الذي يصرفنا عن تحديد مكان وزمان يوم النفخ في الصور وبعثرة ما في القبور.

فتلك «قيامة» لا يعلمها إلا علاّم الغيوب ولكننا نزعم زعماً «مؤسساً» بأن «قيامتنا» الدنيوية هذه من صنع أيدينا «مننا وفينا»، ومن الخيبة و«العيبة» أن نلقي بها على أقدار الله لنستسلم للفشل ونستسهل المبررات ونركن إلى الخمول والخمود بقمع الطموح إلى مستقبل أفضل وحياة أزهر، وليس في وصفنا لمظاهر حياتنا البائسة وشقائنا المقيم بأنها أقرب لمظاهر يوم الحشر مبالغة أو مكايدة، بل هي للحقيقة أقرب لكل صاحب نفس كبيرة وطموح وثّاب، أنظاره دائماً مصوّبة نحو الثريا وإن أصاب رأس المئذنة ففي كلٍ خير…
فمن غير المعقول أن «تدمن» بلادنا هذه المتلازمة السخيفة، ومن غير المقبول أن تظل رهينة لهذه «الأدواء» المزمنة التي بقيت بلا دواء ناجع لعشرات السنين، تتكرر كل عام بذات المتوالية وتتكرر ذات الأعذار والمبررات كل عام، يأتي الخريف فتتحول النعمة إلى نقمة.

يفيض النيل تقع محنة، تروح بعض الأنفس العزيزة سمبلا وتتناثر البرك وتطفح المجاري وتتهدم البيوت ويتكاثر البعوض وتنتشر الحميات، وتقطع الكهرباء فيتحالف على الناس سواد الليل وحلكته مع جيوش البعوض التي عادةً ما تبدأ غاراتها تحت جنح الظلام، دوامة لا تنتهي، بل تتجدد كل عام وكأنها قدر مسطور على أهل السودان، و«القدر» منها براء، فقد حبانا الله بأرض واسعة وخصبة، وأنهار عدة ومصادر للمياه متعددة، وكنوز أخرى عديدة ظاهرة وباطنة، ظهر منها «بعض» بترول فتلاشى وشيء من الذهب لم يذهب شيئا يذكر من المعاناة، وما خفي أعظم.

بلاد تمتلك كل مؤهلات العظمة و«الفخفخة» والعيش الرغد، ولكنها يا للحسرة، تتمرغ في وحل الشقاء وتحترق في أتون التعاسة وتعاني كل صنوف المسغبة… بلاد «قادرة» ومقتدرة بشهادة الجميع ولكن.. ولكن هذه هي مربط الفرس، وتلك حكاية أخرى أكثر إيلاماً، والحديث حولها ذو شجون، دعونا منها الآن ولنركز على ما نحن فيه من ضنك ومشقة والمواطن تحتهم يتلوى من الألم والضجر ولا حياة لمن تنادي.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.