الطاهر ساتي : آخر المنح ..!!

:: ومن الأخبار التي تدمي القلوب وتدمع العيون، وصول سُفن المنح إلى الموانئ .. نعم، ربما أخبار التشكيل الحكومي شغلت صحف وقنوات البلد – يوم السبت الفائت – عن تغطية وصول أربع بواخر إلى ميناء بورتسودان، وهي محملة بالقمح السعودي، وهي الدفعة الأولى من المنحة السعودية .. التي يبلغ مقدارها (200.000 طن) .. وهناك بواخر أخرى – من ذات المنحة – على الطريق، ليكتمل وصول (450.000 طن)، وذلك بنهاية هذا الشهر .. !!

:: وبهذه المناسبة، نجتر الذكرى، وأنشر زاوية كتبتها في مثل هذا الشهر قبل (أربع سنوات)، أي بتاريخ سبتمبر 2015، وكانت البلاد قد استقبلت إغاثة، وكان النص : ( بعد تمكين العدل، وبعد أن عمّ الخير لحد البحث عن السائل والمحروم في الأزقة والحواري ولا يجدونهما، قال الخليفة عمر بن عبد العزيز للزرًاع : (انثروا القمح على رؤوس الجبال).. وكانت ثلوج الشتاء تغطي قمم الجبال في تركيا، فامتثل الزُراع هناك لأمر عمر ونثروا القمح على قمم الجبال..

:: والى يومنا هذا، لا تزال وصية عمر سارية في وديان وسهول تركيا، و صارت عادة تركية أن ينثر المزارع حبات القمح على قمم الجبال في موسم الحصاد .. وعُمر – بأمره ذاك- لم يكن يتحسب فقط لحاجة الطيور إلى الحياة رغم أن هذا من جوهر العدل في (نهج حكمه).. ولكن تحسب أيضاً لشكل الدولة ومظهرها أمام الآخرين.. (انثروا القمح على رؤوس الجبال).. لماذا؟.. فالإجابة كما أكمل بها عمر ذاك الأمر: (حتى لا يُقال جاع طير في بلاد المسلمين)..

:: نعم، (حتى لا يُقال).. وهذا هو معنى أن يكون نظام الحُكم حريصاً على نقاء شكل ومظهر الدولة وشعبها في نفوس وعيون الآخرين دون أن ينتقص هذا من حرصه على نقاء جوهر الحكم في نفوس وعيون (شعب الدولة) .. وأهل السودان ليسوا بحاجة لمن يعكس لهم حال بلادهم، فالحال يُغني عن (الشرح والسؤال).. ومع ذلك، كما تفعل كل الأنظمة الواعية، كنا نأمل أن تقدم الحكومة للعالم دولة غير تلك المتداولة – بالسخرية والاستهزاء- في بعض وسائل الإعلام ..

:: ( الشعب يستهلك أكثر مما ينتج، ويستورد أكثر مما يصدر)..فالوصف صادر عن مسؤول من بعض مهامه تمكين العدل ليتحقق الرخاء، ثم من مهامه الأخرى أن يُدثر دولته وشعبها بكل ما هو طيب أمام الآخرين حتى ولو كان في الدولة والشعب ما يسوء أو يسيء، وذلك عملاً بنهج : ( حتى لا يُقال).. (الشعب يستهلك أكثر مما ينتج، ويستورد أكثر مما يصدر)، ليست بجملة مفيدة عندما تصدر عن وزير المالية أو أي مسؤول آخر..

:: هذا الشعب كان ينتج حتى لحظة توجس أحدهم : ( لو ما جينا الدولار كان ح يصل 20 جنيهاً)، وتلك الفئة بحساب اليوم ( 20 قرشاً)، فالذاكرة لن تنسى عملة كانت ذا قيمة في وطن كانت سفن سودانلاين تبحر بصادر الصمغ والقطن والأنعام وغيرها..أما السفن فبيعت كـ (إسكراب)، ومن ينتجون تطاردهم سجون الإعسار ليتغربوا أو ليبحثوا عن الأمل المسمى بالذهب..بعجزكم وفشلكم تحول شعبنا إلى ما دون الأنعام حالاً، ولحد العجز عن توفير قوت اليوم والعام ).. انتهى نص سبتمبر العام 2015، فنأمل أن يكون آخر النصوص الحزينة، وكذلك.. (آخر المنح )..!!

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.