ناهد قرناص : بلد ما عندها وجيع

صديقتي ارادت ان ترسل لاخيها المستقر بدولة اوربية (شتلة ريحان ) ..اشترت الشتلة من احدى المشاتل وذهبت الى المطار برفقة زوجة اخيها التي كانت تحمل الشتلة بيدها ..اعترضها احد موظفي جوازات المطار ورفض خروج الشتلة عبر المطار ..قال لها ( دا اهدار لموارد البلد دي …ممنوع منع بات بصريح القانون ) …الحقيقة اعجبني موقف الضابط ..وحرصه على موارد البلاد ..ولكن الامر بمجمله فتح بابا صعب اغلاقه ..انه ملف الوجع المزمن …

انتشر في الآونة الأخيرة ..فيديو بتعليق مصاحب ..وتسجيل صوتي لشخص عربي ..الفيديو و التسجيل يتكلمان عن قضية هامة ..وهي غابات اشجار الطلح التي تقطعها شركة اجنبية ..وتقوم بحرقها لصناعة فحم ..للتصدير للدول العربية ..فحم خاص بالشيشة ..على حد قول صاحب الفيديو ..المشاهد حقا مؤلمة ..منظر الالاف من اشجار الطلح التي تذهب هدرا ..ودون رقابة ولا متابعة ..ومشهد تلك الأرض التي صارت بلقعا بعد ان كانت مغطاة باللون الاخضر ..امر يثير كل مشاعر الاستياء والسخط ..ويجعلنا نتساءل حتى متى تكون لنا الدنية في بلادنا ؟..ويسرح فيها الجاني ويمرح ؟لا يردعه قانون ولا وازع ديني ولا اخلاقي ولا وطني .

الغطاء النباتي ثروة مهمة وعامل بيئي لا غنى عنه ..وغيابه سبب اساسي لارتفاع درجة الحرارة وغياب التوازن البيئى والزيادة في ارتفاع درجة التلوث ..وكل الدول تفرض عقوبات صارمة لكل من يعتدي على الغابات والمساحات الخضراء ..وتطالب كل من يعمل بمهنة تستدعي قطع الأخشاب بتعويض فوري للأشجار المقطوعة ..وتلزم الشركات بزرع المساحات الخالية ..وفي المقابل تشجع الدول كل المنظمات الطوعية والتجمعات الشعبية بالتشجير وزراعة الشوارع والميادين ..وتضع الخضرة اولوية في كل النشاطات ..وكلنا تابعنا دولة اثيوبيا وهي تمنح مواطنيها عطلة رسمية لاتمام زراعة 250 مليون نبتة ..مع ان اثيوبيا بلد خضراء ولا تحتاج الى كثير جهد او اجازات لكي تخضر اكثر ….لكن نقول شنو اللهم لا حسد ..بس نقبل وين ونحكي الوجعة.

الموضوع ليس استصدار قوانين فقط ..الامر يحتاج الى متابعة لصيقة ..وقوة تفرض القانون وتعاقب بصرامة كل مخالف وكل متسبب في هدر موارد هذه البلاد .. وتفرض قيودا على الشركات الاجنبية وتضعها تحت المراقبة الدائمة ..الشئ المضحك المبكي ..ان القوانين تطال الشتلات المفردة مثل تلك التي كانت تحملها صديقتي ..ولكن ذلك الذي يقطع الاف الأشجار ويحرقها في وضح النهار (عيني عينك كدا ) ..ويقوم بتعبئتها وترحيلها عبر البلاد وتخرج من ذات المنافذ التي يرفضون عبرها خروج الشتلة ..هذا الذي يفعل كل هذه الأفاعيل ..ستجده يغادر عبر صالة ال (في اي بي )..مرتديا ملابسا راقية لم يعلق بها سواد الفحم ..اياديه تبدو نظيفة ..ليس بها بقايا من ذلك التراب الذي انتزع منه جذور شجرة عمرها اعوام وسنين عددا ..تجده يوزع الابتسامات يمنة ويسرة ..ويسخر منا في داخله ..فما يفعله عندنا لا يستطيع فعله في أي بلد من بلاد الأرض ..حتى بلاده شخصيا ..لا يستطيع فعل هذا الأمر ..الا في بلد ما عندها وجيع …مثل هذه البلاد التي اسمها السودان .

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.