عبداللطيف البوني:الغرب أتى

(1)
عَمّنا حمد ود الشيخ إدريس من أهلنا ناس التكينة الفُضلاء، كَانَ مُزارعاً نُموذجياً جاء إلى حواشته ذات ضحوة في سبعينات القرن الماضي، ولدهشته وَجَدَ فيها خواجات يُقلِّبون في لُوز القطن، فترجّل من حماره بسُرعة وتوجّه إليهم بلهفةٍ وأخذ يُسَلِّم عليهم قائلاً: “حبابكم.. حبابكم.. اليوم السعيد الليلة جابكم.. ها ناس متين رجعتوا؟ نحن بعدكم الهَمَلَة كتلتنا”.. فقد كان يظن أنّ الإنجليز قد رجعوا الى الجزيرة، وأغلب الظن أنّ أولئك الخواجات كانوا من أوروبا الشرقية من المُشترين للقطن السوداني.
رحم الله عَمّنا حمد الذي رَحَلَ عن دنيانا قبل حوالي عشر سنوات، فحنينه للإنجليز حنينٌ مُبرِّرٌ، فَهُو من الذين عَاشُوا في الجَزيرة قَبل المَشروع، وبالتّالي عَاشَ الطَفرة الكَبيرة التي أحدثها المَشروع في الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لسُكّان الجزيرة كَمَا عَاشَ الاِنضباط الذي كَانَ يُدِير به الخواجات المشروع ثُمّ مَا أحدثته الإدارة السُّودانيّة بَعدهم.

(2)
أمّا مُناسبة الرمية.. فهي نحن والأجيال التي سبقتنا قد عِشنا فترةً كانت علاقة السودان مع الغرب مُمثلاً في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية “سَمن عَلى عَسل”، وكان الخواجات يمرحون في الخرطوم طوال فُصُول السنة، ثُمّ جاء نميري مُلتحفاً اشتراكية خرقاء فقام بالتأميم والمُصادرة في مايو 1970 التي كَانَت كَارِثةً على الاقتصاد السوداني، ثُمّ اختتم عهده بتطبيق أخرق للقوانين الإسلامية، ثُمّ كانت الفترة الانتقالية وأعقبتها الديمقراطية الثالثة فلم تحدث أيِّ اختراقٍ في عِلاقَاتنا مَعَ الغَرب، وأخيراً جاءت الإنقاذ (فطَمبّجَت) الشغلانة للآخر واشتغل فينا الغرب بكمّاشة زراعيها القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب والمَحكمة الجنائية الدولية فلم يترك لنا نَفَسَاً يَعلو ويَهبط.

(3)
أها ربك رب الخير قيّض لنا ثورة ديسمبر الشعبية والتي نسجت فُصُولاً جعلت بلادنا موضع إعجاب عالمي، فبدأ الخواجات النافذون يتوافدون علينا وكان فاتحة الخير وزير الخارجية الألماني، واليوم مَعَانا وزير الخارجية الفَرنسي، وفِي الطَريق وزير الخارجية السويدي، وبَعده وزير خارجية أُمّنا القديمة بريطانيا.
وفي الأخبار كذلك أنّ السيد حمدوك سوف يزور الولايات المتحدة في مطلع الشهر القادم لزوم الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقيل إنّ هُناك مَسَاعٍ لجمعه بالرئيس ترمب والمُستشارة الألمانية إنجيلا ميركل (فَد دَقّة)، وهكذا يُمكننا أن نُغَنِّي مادلينا (الغرب أتى) طبعاً الشرق أصْـلاً كَان مَوجود..!

(4)
يَحق لنا أن نتصرّف تصرُّف عمّنا حمد ود الشيخ إدريس ونستقبلهم بذات لهفته، لأننا نحن (الجلاكين) عِشْنَا أيّاماً كانت العِلاقَة مَعهم حلوة، وكُل الذي نتمنّاه أن يكون الجيل الحاكم حالياً واعياً بما هو مَطلوبٌ مِن هؤلاء الأوروبيين الغربيين، فنحن في زمنٍ أصبحت فيه المصلحة هي التي ترسم السِّياسات الخَارجيّة، وهذه المَصلحة تبدأ بكيفية تقديم أنفسنا لهم ثُمّ إدراك ما يُريدونه، فإذا كان هؤلاء الخواجات قادمين إلينا بحزمة مطالب، افعلوا كذا واتركوا كذا فلا مرحباً بهم، وإن كانوا قادمين كمُستطلعين لأحوالنا فلا مرحباً بهم، وإن كانوا قادمين للتصدُّق علينا فلنستقبلهم بحذرٍ، أما إن كانوا قادمين للمنفعة المُتبادلة فمرحباً بهم، فالقطن وغيره من المحاصيل بالكوم.. في مقدورنا أن نجعلها علاقة تبادُل منافع.. فبلادنا فيها ما يقوي موقفنا التّفاوُضي (بلادي سُهُول.. بلادي حُقُول).

 

السوداني

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.