زهير السراج :هذا هو المطلوب !!

* لا يعرف أحد حتى هذه اللحظة برنامج الحكومة للثلاثة أشهر أو الستة أشهر القادمة إلا ما حمله الحديث المكرر للدكتور (حمدوك) للأجهزة الاعلامية بتعميم شديد عن تخصيص المرحلة الاولى للسلام والمشكلة الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الارهاب بدون الافصاح عن المؤشرات العامة والخطوط العريضة للتعامل مع هذه القضايا وغيرها، دعك من التفاصيل. غابت حتى الرؤية الاستراتيجية الكلية للحكومة حول الكثير من القضايا الجوهرية، ليس فقط عن الرأى العام والمواطن العادى، بل عن الوزراء والمسؤولين فى المناصب الرفيعة!!

 

* ويبدو انه السبب الذى جعل معظم الوزراء الذين استنطقتهم الاجهزة الاعلامية يعطون اجابات مرتبكة جلبت عليهم السخط، او يدلون برؤيتهم الشخصية التى تحمل آراء مختلفة حول موضوعات كان يجب أن تتوحد الرؤيا والآراء حولها مثل تفكيك بنية التمكين للنظام البائد وهيكلة الدولة وتغيير القيادات، فبينما تحدث البعض عن اتباع إجراءات دستورية وقانونية معينه (وزيرا الاعلام والتربية والتعليم نموذجا)، قرر البعض الآخر أن الطريقة الثورية ستكون هى الأساس فى التغيير (وزيرة التعليم نموذجا) والتى تحدثت فى مهرجان خطابى عن تغيير جميع رؤساء مجالس الجامعات والمدراء ونواب المدراء، وقالت إنها وضعت القائمة أمام رئيس الوزراء لإتخاذ القرار، وخلط آخرون بين مهامهم ومهام وزراء آخرين وتحدثوا فى موضوعات لا شأن لهم بها (وزير الأوقاف نموذجا)، وارتبك البعض فى الإجابة على اسئلة الاعلامين حول بعض القضايا (وزيرة الخارجية نموذجا)!!

 

* كما شمل الارتباك والخلط المجلس السيادى الذى لا يفرق غالبية اعضائه حتى اليوم بين المهام السيادية الموكلة إليهم والمهام التنفيذية التى تختص بها الحكومة، وظل البعض يتدخل فى أعمال الحكومة بشكل علنى (التفاوض مع الحركات المسلحة نموذجا)، مما ادى لنشوب خلافات بينه وبين الحكومة، بعضها مكتوم والآخر معروف، وتخصيص إجتماعات لحلها، بالإضافة الى استمرار الخلاف حول تعيين رؤساء الاجهزة العدلية والمواكب الجماهيرية والوقفات الاحتجاجية التى ابدت السلطة الانتقالية بشقيها السيادى والتنفيذى الإستياء منها وطلبت توقفها!!

 

* كان يجب على الحكومة قبل ان تشرع في ممارسة العمل التنفيذى او تتجه للاعلام ان يكون لها رؤية استراتيجية وبرنامج عمل واضح لتحقيق الاهداف المطلوبة منها معروفان للجميع، ولقد اعتادت الحكومات الجديدة في كل بلاد العالم ان تفصح بشكل واضح عن اهدافها وبرنامج العمل خلال التسعين يوما الاولى من فترتها في الحكم، الأمر الذى يتيح لها ممارسة عملها بيسر وسهولة ويتيح للرأى العام متابعتها ومراقبتها والحكم عليها، كما يتيح الفرصة للمواطنين تقديم المساعدة المطلوبة لتحقيق الاهداف المنشودة، وهو للأسف ما لم تفعله حكومة (حمدوك) حتى هذه اللحظة، ووقع رئيسها واعضاؤها منذ الوهلة الاولى حتى قبل ان يعرفوا الطريق الى مكاتبهم ضحية لاجهزة الاعلام الباحثة عن السبق الصحفى، او الساعية لوضعهم امام اختبار قدرات او استكشاف نوايا أو استغلال خبرتهم المتواضعة وجرهم الى مشاكل، وتهافتوا على الادلاء بالتصريحات في وقت مبكر جدا، كان من المفترض أن يقضوه في التعرف على وزاراتهم والمهام المطلوبة منهم وحدود سلطاتهم واختصاصاتهم، والاطلاع على الاهداف والبرامج، أو على الأقل الرؤية الاستراتيجية العامة التى كان يجب على رئيس الحكومة ان يضعها حسبما جاء في الوثيقة الدستورية والاتفاق السياسى واعلان الحرية والتغيير الذى سبقهما، وحدث نفس الشئ بالنسبة لاعضاء المجلس السيادى وكانت النتيجة الارتباك الكبير في المشهد السياسى الذى نعيشه اليوم !!

 

* اى حكومة ذكية يجب ان يكون لها رؤية استراتيجية واضحة واهداف واضحة وبرنامج عمل واضح وآليات واضحة لتحقيق هذه الاهداف .. بدون ذلك سيكون مصيرها التخبط والارتباك والفشل.

* قد نجد بعض العذر لحكومة حمدوك أو السلطة الانتقالية بكاملها في الارتباك الذى يسود أداءها بسبب الظروف والطريقة التي جاءت بها ووجدت نفسها فيها، ولكن كان يجب عليها أن تضع على الاقل الرؤية العامة والموجهات العامة التى ستتبعها خلال المرحلة الاولى لعملها، لتتفادى المطبات التى وقعت فيها، هو ما يجب عليها ان تفعله الآن قبل ارتكاب المزيد من الأخطاء وحتى يتيسر لها اداء المهمة المطلوبة منها، ويحفز الاخرين لمساعدتها، ويسهل على الرأى العام متابعتها ومراقبتها والحكم عليها !!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.