هل تستقيل وزيرة الخارجية السودانية أم تقال؟

على كثرة او قلة الانتقادات التي وجهت لحكومة رئيس الوزراء حمدوك، ثمة قصف من العيار الثقيل موجه تلقاء وزيرة الخارجية أسماء محمدعبد الله، على خلفية تعاطيها مع وسائل الإعلام المختلفة وفهمها للبرتوكول، وآخرها لقائها مع مذيعة بإحدى الفضائيات التي كانت ترد فيها على الأسئلة بعد مطالعتها لحزمة من الأوراق بين يديها، ومن قبل كان الانتقاد الأول لها يتعلق بلياقتها العمرية (73) سنة، ومعلوم أن وزير الخارجية هو الأكثر تجوالاً وسفراً بين أقرانه الوزراء، بجانب انقطاعها الطويل عن العمل بالوزارة لثلاثة عقود، وتأثيره على إلمامها بتعقيدات العمل بوزارتها، فهل يدفع النقد الكبير والمحرج الذي واجهته الوزيرة للاستقالة او يدفع حمدوك لإقالتها؟

أخذ الهجوم على وزيرة الخارجية طابعاً أكثر حدة من ذي قبل، على خلفية المقابلة التي أجرتها لصالح قناة (بي بي سي) العربية، وبدت فيها وهي تقلب أروراقاً بين يديها كلما طرحت عليها المذيعة سؤالاً، ودفعت تلك الحادثة بعض الذين كانوا ضد الهجوم عليها سابقاً لتغيير مواقفهم، ودعوا لضرورة أخذ قرار حاسم وسريع بشأنها.

الطلاقة والحضور والاستنارة،الإلمام والمتابعة، واللياقة الصحية الجيدة، من أبرز مواصفات وزير الخارجية، تلك هي إفادة دبلوماسي بوزارة الخارجية -وبطبيعة الحال لابد من أحجب هويته كما طلب- وضرب المثل بوزراء خارجية كبار مروا على الوزارة على رأسهم محمد أحمد محجوب ومبارك زروق، ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور، وفي تفسيره لطبيعة أداء الوزيرة التي جوبهت بانتقادات لاذعة، بالقول إن الغياب الطويل عن مسار العمل الدبلوماسي، ومتابعة مجرياته يجعل المرء في حالة (اغتراب)، وفي حاجة لفترة ما، لتستوعب مجريات الأحداث.

وأوضح بأن الوزيرة حالياً تطلع على الملفات، وبدأ متعجباً من الحملة الضارية التي صوبتها نحوها وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تكمل الأسبوعين في موقعها، وفيما يختص بخبرتها الدبلوماسية قبل أن تُقال لفت المصدر إلى أنها عندما أقيلت كانت بدرجة سفير مفوض، وهي الدرجة التي تسبق درجة السفير مباشرة، وقبلها سكرتير أول وثاني وثالث، اي أنها لم تصل لمرتبة السفير، ولفت المصدر إلى أن وزير الخارجية يجب أن يكون على أتم الأهبة والاستعداد للسفر في اي وقت يتطلب الأمر ذلك ، وعليه أن يكون حاضراً للسفر لعواصم الدول والمؤتمرات الخارجية .

وبسؤال المصدر عن امتناع الوزيرة عن التصريح عقب لقاء الرئيس الإرتري أسياسي أفورقي برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وصرح عوضاً عنها وزير رئاسة مجلس الوزراء، تحدث عن خبرات الوزير ذات الصلة بالعمل الخارجي وأضاف بأنه الوزير الأول في الحكومة، ولكن مع ذلك يبقى أن مهمة التصريح في مثل هذه المناسبات من اختصاص وزير الخارجية بالدرجة الأولى.

وفي ما يتعلق بمدى المردود الإيجابي للبلاد لأداء الوزيرة لمهام وزارتها، أوضح أن الوزير عادة ما يكمل الصورة العامة لبلاده بحضوره الكبير ، ومع ذلك هناك وزراء لهم دورهم مثل وكيل الخارجية عمر دهب، ومساعد الوكيل للشؤون السياسية الهام شانتير، وأشار الى أن الترتيبات مضت بشكل مرضي لدى زيارة وزير الخارجية الألماني للبلاد مؤخراً، ومضى السفير الذي بدا كمن (يفلق ويداوي) إلى أن الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري وجد انتقادات كبيرة، لكنه أثبت أنه من أبرع الرؤساء السودانيين الذين تمكنوا من إدارة البلاد، بتفعيل قدرات معاونيه ومرؤسيه، كما نجح في عقد العديد من التحالفات الناجحة . وعاد ليصف قراءتها للإجابات على أسئلة المذيعة في برنامج قناة (بي بي سي ) عربي بغير المناسب، وعاد ليشير إلى غيابها الطويل عن العمل بالخارجية، وانعكاس ذلك على أدائها، موضحاً بأن ملفات العلاقات الخارجية معقدة جداً، وتحتاج للمتابعة اللصيقة والإلمام بحيثياتها المتعددة.

وبسؤاله عما اذا كانت الوزيرة تشكو من ضعف السمع فعلاً رد بأنه لم يلاحظ ذلك أثناء حديثه إليها. الخبير الإستراتيجي محمد حسين ابو صالح، أشار الى أهمية وزارة الخارجية بأنها الوزارة التي تقضي مصالح البلاد خارج الحدود، بما تتوافر عليه من فرص ومهددات، ولابد للوزير من الإلمام بمشاكل البلاد الداخلية، ليتمكن من العمل على تحقيق مصالح البلاد العليا، وتجنيبها لمخاطر الصراع الدولي، ووصف في حديثه (للإنتباهة) وزراة الخارجية بالخطيرة، مؤكداً بأن وزيرها لابد أن يكون ملماً بالعلاقات الخارجية، والأمن الوطني والإقليمي والدولي، وكيفية اقتناص الفرص الخارجية وتجنب المزالق والمخاطر الدولية.
السفير الطريفي كرمنو ذهب إلى أن اختيار سيدة لوزارة الخارجية قرار جانبه التوفيق ، فهو لا يناسب الظروف التي تمر بها البلاد حالياً، وأضاف في حديثه (للانتباهة) أن سودان ما بعد الثورة مختلف، كما أن العالم نفسه قد تغير.

وهناك الموقف من إيران، والتقلبات في العلاقة مع إسرئيل وغير ذلك، كما أن ظروف السودان البالغة التعقيد فيما يلي الجنائية الدولية والحصار الاقتصادي وغيرها ، كما أن العالم صار منفتحاً على البلاد بصورة واسعة جداً، وهذا يتطلب نشاط وقوة تحمل فوق المعتاد لوزير الخارجية، وهذا أمر تتعذر مواكبته من قبل سيدة، خاصة السودانيات منهن، مشيراً الى أن مشكلة السيول والأمطار عمل دبلوماسي، وأضاف أن الولايات المتحدة لم تعين امرأة في وزارة الخارجية الا بعد مرور 200 عام على استقلالها، وأول وزيرة هي مادلين اولبرايت ثم كونداليزا رايس ومؤخراً هيلاري كلنتون، وخلص كرمنو الى أن الوزيرة لن تستمر في موقعها طويلاً . وبسؤاله عما اذا كان حمدوك اختارها ليتحكم في عمل الوزارة، قال إن مشاغل حمدوك كبيرة جداً، وهو بحاجة لـ (يد تساعده) ، وليس العكس.

وزارة حمدوك في مأذق، فالإصرار على إبقاء الوزيرة مشكلة، ذلك أن الرفض الذي تواجهه أصبح قضية رأي عام، كما أن إقالتها تعتبر أول بادرة فشل في الوزارة، ولايزال السؤال الأكثر إلحاحاً، لم وكيف تم اختيارها للخارجية ؟..

ندى محمد احمد
صحيفة الإنتباهة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.