الطاهر ساتي: البدايات..!!

:: رغم أن التأسيس بدأ في عهد النظام المخلوع، فمن بشريات هذه المرحلة أن يفتتح رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ووزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني، أحد أكبر المسالخ في أفريقيا والشرق الأوسط.. مجمع الكدرو لتصنيع اللحوم، بطاقة إنتاجية خمسمائة رأس من الأبقار، وثلاثة آلاف رأس من الضأن والماعز، في المناوبة الواحدة (عشر ساعات)، ومجهز بأحدث التقنيات والمعامل والثلاجات في مجال المسالخ.

:: ولقد أحسنت مراسم الدولة عملا وهي تضع افتتاح هذا المجمع الصناعي في برنامج رئيس وأعضاء مجلسي السيادة والوزراء، ليحظى حدث الافتتاح بالترويج المطلوب.. وأن تبث وسائل الإعلام خبر تدشين رئيس وأعضاء مجلس السيادة والوزراء لإنتاج مصنع – أو مشروع زراعي – خير من مليون ندوة ومليار سمنار تعقدها السلطات لتتحدث عن استقرار الوضع السياسي بالسودان أو عن مزايا الاستثمار في السودان.

:: وكتبت يوما.. ما إن تفتتح محلا لبيع العصائر وينجح المحل، يأتي آخر ويفتح محلا للعصائر أيضا بجوارك.. ثم يأتي ثالث ورابع، ويصبح المكان سوقا للعصائر.. ثم يكتشف أحدهم أن المكان يصلح لإنتاج الخبز، ويبني (فرن بلدي)، وينتج ويربح.. ليأتي آخر ويبني – بجوار الفرن البلدي – مخبزا آليا، أي يطور فكرة صاحب الفرن البلدي، ليربح أكثر.. ثم يأتي آخر بفكرة جديدة.. و.. و.. هكذا تؤسس المجتمعات أسواقها ثم تدير نشاطها.. بالمنافسة وتطوير الأفكار.
:: وما بالمجتمعات يرتقي إلى مستوى الدول في حال أن تدير الحكومة قطاع الاستثمار بذات وعي المجتمع.. وهذا ما كنا نفتقده على مستوى الدولة، أي لم نقدم نماذج استثمارية مشرقة للعالم.. تقديم مشاريع نموذجية – للعالم – أفضل من مليون ملتقى ومؤتمر و (طق حنك).. وتصدير لحوم ومعلبات خضر وفاكهة ذات جودة بديباجة (صنع في السودان)، يجذب من رؤوس الأموال الأجنبية – لصناعات أخرى – ما لا تجذبها الثرثرة والخطب السياسية.

:: عالم الاستثمار، أي كما أسواق المجتمعات، ربح رأس مال يأتي برؤوس أموال أخرى، ونجاح فكرة يأتي بأفكار أخرى، فتنهض الدول وتستقر الشعوب.. وكثيرة هي الفرص التي أهدرتها بلادنا – في عهد النظام المخلوع – بالفساد أحيانا، وكثيرا بسوء التخطيط وقُبح التنفيذ.. واليوم، مع تدشين المسالخ المطابقة لمعايير الجودة الدولية، فعلى مجلس الوزراء الانشغال بأمر آخر و(مهم للغاية)، وهو الإحصاء.. فالشاهد أن آخر إحصاء للثروة الحيوانية كان في عهد المغفور له باذن الله نميري، ولم نسمع عن أي تعداد آخر في هذا القطاع.

:: كم حجم هذه الثروة بعد انفصال الجنوب؟، وبعد اشتعال الحرب في دارفور و كردفان والنيل الأزرق؟، وبعد نزوح الملايين من الأرياف إلى المدائن، وبعد هجرة الآلاف – بعقود تربية المواشي وغيرها – إلى الخليج؟.. كل هذه العوامل تشكل خطرا على الإنتاج الحيواني، ولذلك كان يجب (الإحصاء الدقيق) بدلا عن إطلاق الأرقام الوهمية.. فالإحصائات الدقيقة هي البدايات الصحيحة لتنفيذ الخطط التنموية، بما فيها خطة إنتاج وتصدير المواشي واللحوم.

 

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.