هنادي الصديق: موافقة مشروطة

أحداث كثيرة ومتلاحقة شهدتها الساحة السودانية خلال الأيام القليلة الماضية ألقت بظلالها مباشرة على عدد غير قليل من المواطنين وأوصلتهم لحالة من التذمر لم يشهدوا لها مثيل طيلة الفترة التي أعقبت إسقاط النظام، وحولتهم لحالة من اليأس والإحباط بعد الفرحة العارمة التي إجتاحت الشارع لأكثر من 6 اشهر.

لسنا هنا بصدد بث المزيد من الإحباط في النفوس بقدرما نبحث عن إستجابة سريعة من حكومة حمدوك وذراعها السياسي، فربما حادت بعض مكونات (قحت) عن طريق الثورة من وجهة نظري الشخصية، لذا وجب التنبيه لبعض ما من شأنه إلحاق الضرر بالثورة ومكتسباتها.

فالشعارات التي رفعها الثوار (حرية – سلام- عدالة) لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تتحقق دون السير في طريق العدالة حتى النهاية، ومعلوم أن العدالة نفسها لن تستقيم بدون تحقيق المحاسبة، وما يحدث حاليا من تماهي غريب بين بعض مكونات قحت وبين العسكر الذين يُمثلون في المجلس السيادي بذات الوجوه التي كانت في المجلس العسكري الجنجويدي (المسئول مسؤولية مباشرة عن (مجزرة القيادة) ومحاولات البعض منهم لحماية المجرمين الحقيقين وإفلاتهم من العقاب، يثير الكثير جدا من علامات الإستفهام في أذهان المواطنين وخاصة أسر الشهداء. وما تصريحات حمدوك برفض تسليم البشير وبقية المتهمين لمحكمة الجنائية الدولية قبل يومين بحجة رفض التدخلات الخارجية إلا جرس إنذار للقادم.
أما الأمر ألاكثر إيلاما وإحباطا، هو إستمرار حملات العنف الممنهج من قتل وتشريد ونزوح وإغتصاب في أقليم دارفور من قبل مليشيات النظام ممثلة في قوات الدعم السريع، بينما تكتفي الخرطوم ببيانات فطيرة ووعود هشَة بالتحقيق وهي ذات الوعود التي ظللنا نسمعها لثلاثين عاما دون نتيجة. فمثل هذه الأحداث (وإن كانت مفتعلة) تعمق الجراح وتوسع الهوة بين قحت ومواطن دارفور، والنتيجة الحتمية لذلك فقدان الثقة والمزيد من الكراهية والرغبة في الإنتقام وبقية السيناريو معلوم.
أضف إلى ذلك ان إيقاع العمل في العديد من مؤسسات الدولة في غاية البطء، فهناك الكثير من القرارات المعنية بتفكيك النظام البائد وإبعاد رموزه عن مفاصل الدولة لا تحتاج لإجتماع مجلس وزراء ولا توصية من رئيس المجلس ولا السيادي، ولكن السلحفائية والسردبة التي يتعامل بها بعض الوزراء تجعل المواطن ينظر إليها بعين الريبة والسخط معا.

التلاعب (غير المتعمد) في الوثيقة الدستورية وما صاحبه من جدل كثيف أدى لإهتزاز الثقة بين المواطن ومكونات قحت لن يمر مرور الكرام، واليوم يدفع ثمنه المواطن من تأخير غير مبرر على الإطلاق في تعيين رئيس القضاء والنائب العام، وهو الأمر الذي تنفيه مكونات قحت وتتعامل معه بذات طريقة سيئ الذكر حمدي سليمان (بلادي سهول بلادي حقول). ما يفتح الباب واسعا أمام سخط الشارع الذي لن يحمد عقباه إذا ما إستمر الوضع إلى ماهو عليه مستقبلا. ورغم التطمينات إلا أنه يظل تعيين السلطة العدلية أمرا يرتبط بشكل مباشر بقبول ومباركة (حضرة عسكر المجلس السيادي). ومبررهم الفطير لرفض تعيين لمولانا عبدالقادر ومولانا محمد الحافظ غير مقنع حتى لهم، ولكنه البحث عن مخرج حتى ولو كان (مخرج الطوارئ).
كثير من الشواهد تدخل في باب المحرمات في فقه الثورة لأنها ببساطة تمهيد لسيناريو القضاء على المدنية وإغتيال الثورة، وفتح الباب واسعا أمام عودة الفلول ونفخ الروح في نظامها الفاسد مرة أخرى.

إذا أرادت حكومة حمدوك وذراعها السياسي (قحت)كسب ثقة المواطن مرة أخرى، ما عليها إلا الضرب بيد من حديد في أكثر مرافق الدولة حساسية وإرتباطا بالمواطن، ونسيان فكرة أن تفكيك الدولة العميقة يحتاج للكثير من الوقت.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.