زهير السراج: نحنُ والحكومة !!

* يعتقد البعض أننا عندما ننتقد الحكومة نحاربها ونضعفها، وهو فهم خاطئ لا بد من تصحيحه، فالنقد لا يعنى شن الحرب وإنما التنبيه الى الاخطاء والسلبيات و(إهداء العيوب) بلا مقابل، ولنا في الخليفة الراشد (عمر بن الخطاب) الذى كان يكثر من القول (رحم الله امرأ أهدى لي عيوبي) أسوة حسنة .. وكان دائما ما يسأل سلمان الفارسي عن عيوبه، وفى احدى المرات سأله “ما الذي بلغك عني مما تكرهه؟، فقال سلمان أعفني يا أمير المؤمنين فألح عليه، فقال: بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة، وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل، فقال: وهل بلغك غير هذا؟، قال: لا، قال: أما هذان فقد كفيتهما”. وكان يسأل حذيفة ويقول له: أنت صاحب رسول الله في معرفة المنافقين فهل ترى عليَّ شيئا من آثار النفاق. كان عمر ابن الخطاب رغم جلالة قدره وعلو منصبه، يخشى على نفسه من النفاق وارتكاب الأخطاء فيسأل غيره ليطمئن، دعك من أن ينتظر النقد ثم ينكر، رضى الله عنه.

 

* ليس هناك نقد بنَّاء ونقد هدام، كما يظن البعض فيضيفوا لكلمة النقد كلمة (البنَّاء) ـ بتشديد وفتح النون ــ حتى يميزوا بين الهدم والنقد، أو يجدوا المبرر لأنفسهم في عدم تقبل النقد بإلزام الناقد بأن يكون نقده (بنَّاءً) وهى إضافة ليس لها معنى، فليس هنالك نقد بنَّاء ونقد هدام، فالهدم ليس نقدا، وإنما هدم، وشتان ما بينهما، كما أن معول النقد يختلف عن معول الهدم .. معول النقد هو آلة البناء (المسطرين او المحارة)، أما معول الهدم فهو آلة التكسير (المرزبة أو البلدوزر) .. معول النقد هو الكلمة الصادقة والصدع بالحق مهما كان موجعا، ومعول الهدم هو الشتيمة والتبخيس والكذب والتدليس والنفاق الذى كلما كان جميلا وجيد الحبكة والاخراج كان اكثر هدما !!

 

* حمدوك ليس أفضل من الخليفة عمر في زمانه، ولو لم ننقده لما أردنا له النجاح، ولو أراد النجاح فليستمع للنقد ويتقبله بصدر رحب، لو لم يكن يرغب، كما كان يفعل عمر، أن يسأل الناس عن عيوبه حتى يراها ويصححها، فالشخص لا يرى نفسه أو عيوبه إلا من خلال منظار الآخرين، ولا يمكن له أن يراهم بشكل جيد أو يقدر مواقفهم أو يرى نفسه ويقدر مواقفه إلا عندما ينظر بعيون الآخرين أو يقف داخل أحذيتهم .. أحد أجمل المناهج لتقييم تصرفات الآخرين ورؤية مواقفك بشكل صحيح هو أن تقف داخل أحذية الآخرين، أن تضع نفسك مكان الآخرين ترى بعيونهم وتسمع بآذانهم وتتقمص شخصياتهم!

 

* لدى جهاز الاستخبارات الأمريكية (السي آى ايه) إدارة تضم أذكى مواطني الولايات المتحدة، يتم استيعابهم وتدريبهم على تقمص شخصيات الرؤساء والمسؤولين الاجانب لمعرفة ردود افعالهم والتكهن بالقرارات التي سيصدرونها في المستقبل إزاء أحداث معينة حتى تكون أمريكا مستعدة للتعامل معها. من افضل الكتب التي يمكن للمرء أن يتعرف منها على كيف تفكر امريكا والطريقة التي تصنع بها سياساتها هو (لعبة الأمم) الذى كتبه قبل عشرات السنين ولا يزال يحظى بالطبع والقراءة حتى الآن رجل المخابرات الأمريكي المعروف (مايلز كوبلاند)!

* هنالك من لا يريدنا ان نقول كلمة نقد واحدة لحمدوك وحكومته وقوى الحرية والتغيير ولو صغيرة جدا، والا فتحوا علينا باب جهنم. هذا هو اول الطريق الى الفشل. لهؤلاء أقول: انا كاتب حر لا تربطني باي شخص او حزب او تحالف أي علاقة او مصلحة غير مصلحة الوطن. أي قول او فعل اراه يتعارض مع هذه المصلحة لن اتردد ابدا في توجيه سهام النقد إليه، ولو كان الثمن حياتي. ليس بالضرورة ان يكون رأيي هو الصحيح في نظر الاخرين، ولكنني لن اتردد في قوله والثبات عليه الى ان يثبت ليَّ العكس، وفى هذه الحالة سأتراجع عنه بكل شجاعة واعلن ذلك امام الملأ. من لا يريد ان يسمع كلمة نقد، عليه أن يبحث عن بلد يعيش فيه وحده بعيدا عن الآخرين وأوجاعهم وجعجعتهم !!

 

* لو اعتقد احد إنني سأنضم لزمرة مادحي حكومة حمدوك، لأنني كنت معارضا لسياسات ومفاسد (المؤتمر الوطني) فهو مخطئ، ولكنني سأظل مراقبا وناقدا لحكومة حمدوك كلما استدعى الامر ومهما كانت التضحيات، كما كنت افعل مع (الانقاذ) والمؤتمر الوطني وكما افعل مع نفسى ومع احب الناس إلىَّ، فهو الطريق الوحيد لبناء وطن حر ديمقراطي معافى، متجرد من الخوف والانانية والانحياز للنفس والحبيب والصديق على حساب الحق !!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.