نزهة في رياض الحقيبة

ينتابني احساس غامر بأنه لولا الحقيبة لكانت مكتبتنا خاوية إلا من اشراقات وردي وأبو عفان وود اللمين وغيرهم من جيل الوسط الطموح.
أغنية الحقيبة ظلت تقدم النموذج والكاتلوج لمعظم الشباب الذين لا يملكون إلا حبائلهم الصوتية.. وليس لديهم القدرة على التنوع الكمي والنوعي.
اغنية الحقيبة بدأ انتشارها منذ نهاية العقد الثاني من القرن الماضي.. وظلت تجمل احساسنا وتعمل »داون لود« لكل الوجدانيات السودانية حتى الآن.
ويقال إن أول اسطوانة للفنان عبد الله الماحي وبعده سرور والتوم عبد الجليل والأمين برهان.. وكرومة وزنقار.. ومن الأصوات النسائية أم الحسن الشايقية وفاطمة خميس ومهلة العبادية وأخيراً عائشة الفلاتية.
دعونا نتناول ولو جزء بسيط من هذه الأغنيات التي رسخت في مفاهيمنا وعقليتنا.
فمثلاً أغنية الفنان سرور للشاعر إبراهيم العبادي
شوف محاسن حسن الطبيعة
تلقى هيبة وروعة وجلال
دون سواقي يذرف نبيعه
ما في شتلة السائم يبيعا
هذه الكلمات الموغلة في العمق.. ودلالات تمزج أنفاس الطبيعة.. مع أنفاس الشعر فتبدو الصورة زاهية وزاهرة في زهور ربيعة .. وأغنية الشاعر ود الرضي ليالي الخير.. فهي مليئة بالموسيقى الداخلية التي تزين حركة المعاني والحروف.
ليالي الخير جادن من المحبوب
نسايم الليل عادن من المحبوب
شفت في الاحلام ظبأ يتهادن
برخيم نغمات خلي تنادن
عبرات الشوق بي ازدادن
تلكم الاحلام ليت تمادن
الى أن يصل إلى:
بوبح جيدو أبصر واقل
ظن مراقب صدق العاقل
قلب المخضوب فوق الفاقل
تل اليمنى ومشى متاقل
ويتناغم الحرف الندي.. مع الايقاع الحالم ويصل إلى منتهى السرد الدرامي.. عندما
صحيت ندمان نومي اتقل
جسمي انتحل وقواي كلا
اتناوم غش لكن كلا
هيهات يعود الكان ولى..
وحتى التوصيف الرامز يشابه الصورة الفوتوغرافية تماماً في أغنية »مامعيون« لسيد عبد العزيز.
ناعمة جسيمة حرير وهون
طبيعة بطيب الندا مدهون
إن مر نسيم تتنى مهون
وعزيز أرواحنا لذاك يهون
وميزة أغنيات الحقيبة في صور البديعة المحتشدة.. ولعل أغنية عبيد عبدالرحمن .
(حليل الصبا).. خير شاهد على ذلك
حليلو الابلج الباسم
حليلو الكاحل الناعس
حليل قمر السما القاسم
لياليه وصبح داير
آه لو آه تفيد مجروح
والمثل القبيل ساير
رهاب ما حصلوا الجاري
وسماك ما حصلو الطاير
والنماذج كثيرة جداً.. لأن الحقيبة تستوعب المتغيرات واختم بالشاعر علي المساح:
يا غصن الرياض المايد
يا الناحلني هجرك.. وانت ناضر وزايد
جافيتني ليه انا رايد..

صحيفة الوان

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.