زهير السراج : الغباء السياسي !

* يجب ان تبذل الحكومة اقصى ما لديها من جهد وامكانيات للاهتمام بقضايا المواطنين، ليست الكبيرة والعامة فقط، وإنما أصغرها وأكثرها خصوصية في أي مكان يوجد فيه ، في عمله، في الحى الذى يقيم به، بل وفى داخل منزله. هذا هو الطريق الى النجاح !!

 

* اسمحوا لي أن انقل لكم تجربة قصيرة من واقع السنوات التي عشتها في كندا: في الحى الذى اقيم به في مدينة تورنتو، وفى كل أحياء الدولة الكندية، يوجد مكتب دائم لنائب الدائرة سواء على مستوى الحكومة الفيدرالية أو الحكومة الإقليمية، لاستقبال المواطنين والاستماع لمشاكلهم ومطالبهم مهما كانت صغيرة جدا وخاصة جدا، والعمل على حلها وتلبيتها مع جهات الاختصاص، وفى كثير من الاحيان يزور نائب الدائرة بنفسه او الموظفين الذين يعملون معه الاسر بمساكنهم والاستماع إليهم ومعرفة مشاكلهم وطلباتهم والعمل على حلها، مهما كانت خاصة، وعندما أتحدث عن المواطنين لا أقصد الذين يحملون الجنسية الكندية، بل حتى المقيمين او الزائرين الذين لا يحملون الجنسية الكندية!

 

* كما توجد عشرات المكاتب الحكومية وغير الحكومية لتقديم المعلومات والخدمات بكافة الانواع والاشكال، بالإضافة الى تقديم الخدمات عبر أجهزة الهاتف والمواقع الإلكترونية والتقنية الحديثة .. تستطيع أن ترفع سماعة الهاتف في أي وقت وتتصل بأي جهة حكومية أو خاصة وتشتكى أو تقدم طلبك أو تطلب الخدمة التي تريدها بدون الحاجة الى التحرك من منزلك، ويمكنك ان تفعل نفس الشيء عبر الموقع الإلكتروني والبريد الإلكتروني من هاتفك الجوال .. تجدد رخصة القيادة، بطاقة التأمين الصحي، جواز السفر ..إلخ تحجز عند الطبيب، تدفع فواتيرك، تأخذ قرضا من البنك ..إلخ، وأنت جالس في مكانك.

 

* خدمة المواطن هي الأولوية القصوى، وتتنافس الأحزاب في الانتخابات على هذا الأساس، والتي تفوز هي التي يستند برنامجها على توفير حياة أفضل للمواطن .. بينما تأتى الأيدولوجيات في المرتبة العاشرة، وحتى هذه فهي أيدولوجيات تتعلق بهموم المواطن بشكل مباشر وليست محض قضايا فلسفية او نظرية .. ولا مجال لعدم الإيفاء بالوعود، فالوعود شيء مقدس لا يجوز المساس به وإلا كانت العاقبة وخيمة وهى فقدان ثقة المواطن وذهاب صوته الى المرشح المنافس او الحزب المنافس، فالصوت الانتخابي لا يلتصق بحزب أو مرشح لأنه (بعثي) أو (اتحادي) أو (شيوعي) أو (إسلامي) وإنما بما يقدمه المرشح والحزب للمواطن!

 

* الغالبية لا تعرف اسم رئيس الدولة (الحاكم العام)، وهو لا يتدخل في أعمال الدولة ابدا، وإنما رمز لسيادتها فقط (مثل مجلس السيادة عندنا) ــ وشتان ما بين سيادة وسيادة ــ ونصف المواطنين لا يعرفون اسم رئيس الوزراء، وثلاثة ارباعهم لا يعرفون اسم الوزير .. ولكنهم يعرفون جيدا ماذا قدمت وماذا لم تقدم لهم الحكومة أو المسؤول، في الصحة في التعليم في الخدمات، في الضرائب ..إلخ .. وعلى هذا الاساس يعطون الصوت او يحجبونه!!

 

* لا أريد إجراء مقارنة بيننا وبينهم، ولا مجال لهذه لمقارنة، ولكن علينا ان ننظر لتجارب غيرنا، ونسأل أنفسنا لماذا تقدموا، وماذا فعلوا، وكيف نجحوا حتى وصلوا الى ما وصلوا إليه، حتى نستفيد من تجاربهم ولا نكرر إعادة إنتاج عجلات الفشل والخيبة، خاصة مع تقدم التكنولوجيا والفرصة العظيمة التي وفرتها للتقارب الشديد بين الدول والمجتمعات، وماذا يمكن أن ننقل منها ما يتناسب مع ظروفنا وطبيعتنا، وماذا نترك .. وكيف نفعل ذلك !!

 

* حان الوقت لكى نفهم ان السياسة هي المواطن، ومطالب المواطن، وصرخات المواطن، والاستماع إليه بأذن صاغية، وعقل مفتوح، وقلب ينبض بالحب، والرد عليه بلباقة واحترام ومسؤولية، وبذل أقصى لجهد لتلبية طلباته، أما أن نتركه يصرخ وتتجاهله فإنه عين الفشل والسقوط في الهاوية، واستمرار الازمة التي نعيشها منذ خروج الاستعمار بسبب الفهم الخاطئ للسياسة وغباء السياسيين!!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.