عبداللطيف البوني: دقر يا عين دقر!!

(1)
نَحن في بلدٍ مَأزومٍ، فما أن تحل بنا أزمة إلا وتصادقنا وتبقى (لينا في رقبتنا) ولا تُغادرنا، فإذا ترفقت بنا (تمشي وتجينا)، فانظر لأزمة المُواصلات، وأزمة الخُبز، وأزمة الوقود كلّها أصبحت صَديقةً لنا، وإن بالغت تختفي لعدة أيّامٍ ثُمّ تَعُود، ولكن المُبالغة في أنّه رَغم كَثرة الأنهار وغَزارة الأمطَـار التي تَتَطَوّر أحياناً إلى فيضاناتٍ وسُيُولٍ مُدمِّرة وبِرَكٍ آسنة، ورغم المياه الجوفية التي يَمُور بها جَوف أرضنا تنشب في مُدننا بما فيها العاصمة، وقَرأنا بما فيها تلك التي تَمَدّنت، أزمة مياه الشرب فأرقى أحياء العاصمة تزوره هذه الأزمة وتمكث أياماً ثم تُغادر لتعود.

(2)
أمّا مُناسبة هذه الرّمية، فهي أنّنَا ولأوّل مرّةًٍ ومنذ أن بدأ تاريخ الأزمات في بلادنا نشهد أزمة تَستفحل وتعشعش ثُمّ تُلملم عِدّتها وتَلُوح لنا بأيديها قائلةً لنا (بااااي)، وهذه هي أزمة البانكنوت والتي اصطلح شعبياً على تسميتها بأزمة السيولة!! فهي غريبة وعجيبة لم نسمع بها في بلدٍ آخر، فمنذ أن فتحنا أعيننا على هذه الدنيا لم نشهد شخصاً لديه قريشات في البنك فيذهب لسحبها فيقال له (مافي سُيُولة)!! وأحياناً بعد طُول انتظار يُعطى خمسمائة جنيه أو ألف جنيه وفي رصيده الملايين.. ولأوّل مرّة يَصبح للجنيه السوداني سعران، واحد للشيك، وآخر للنقد.. ولأوّل مرّة نشهد تجارة في النقد (الكاش) قائمة بذاتها.. ولأوّل مرّة نشهد إحجاماً تامّاً عن إيداع أيِّ مبلغٍ من المال كبيراً كان أم صغيراً في البنوك.. فقد عاشت هذه الأزمة اللعينة بين ظهرانينا قرابة العام!!

(3)
مُعظم الصحف الصادرة في الخرطوم يوم السبت وفي صفحتها الأولى، بشّرتنا بانتهاء أزمة السيولة، وفِي تَصريحٍ للدكتور طه الطيب أحمد، أمين اتّحاد المصارف الجديد (الجديد لطه)، قال إنّ هذه الأزمة انتهت نهائياً، وإنّ حلقة التوريد قد اكتملت من خلال عمليات السحب والإيداع للأفراد والمُؤسّسات، وأضاف أنّ المصارف مُستعدة لمُقابلة احتياجات المُوسم الزراعي من السيولة.
وفي لقاءٍ مُباشرٍ مع دكتور طه، أكد هذا الأمر، وقال إنّ كلمة (مافي سيولة) قد انتهت إلى الأبد، وفوق البيعة قد أنشأ اتحاد المصارف صندوقاً للسيولة، فأيِّ بنك حَدَثَ له أيِّ تعثُّر في السيولة سوف يرفده الصندوق بما يسعفه (أها دي فضلة خير الأزمة)، هذا بالإضافة لاحتياطي البنوك في بنك السودان.

(4)
هذه الأزمة الغربية ينبغي أن لا تمر مثلها مثل أيِّ ضيفٍ ثقيلٍ جَرَحَ خاطر مضيفيه ورحل، بل لا بُدّ من إخضاعها للدراسة والتحليل، لأنّ أضرارها وآثارها لن تنتهي بنهايتها و(الخوفة الدّخّلتها فينا لن تمرق بسهولة)، فلم يكن التضخم سببها الرئيسي بدليل أنّ التضخم مازال يتصاعد والأزمة اِنتهت، بَل هُناك فَسادٌ إداريٌّ بنكيٌّ لَعِبَ فيها دوراً كبيراً، كما أنّ السياسة دخلت فيها بعُمقٍ، فصراع السلطة بين الجماعة الحاكمة يومها رفع مُعدّلها.
عليه، لا بُدّ من لجنة تحقيق ذات فنياتٍ عالية لدراسة أسباب هذه الأزمة ومَعرفة الذين تَسَبّبُوا فيها والذين اغتنوا منها، وإلى حين ذلك خلُّونا نفرح جميعاً بنهايتها بما فينا الذين لا يَملكون ولا فرطاقة، لأنّها أوّل أزمة تخرج من حياتنا ونقول عقبال للبقية

 

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.