هنادي الصديق : وزير في المواصلات

عندما كنا نقول ان النخب السياسية في السودان لا زالت بعيدة عن هموم المواطنين رغم التصريحات اليومية والمؤتمرات الصحفية والمخاطبات الجماهيرية العاطفية في معظمها. لم نخطئ رغم غضب البعض منهم على ما كتبنا.

وعندما نقول النخب فمؤكد أن القصد هنا للسياسيين الغائبين عن مشهد المواطن وهو يمارس طقوس معاناته اليومية بداية من (قفة الملاح) وملحقاتها من رغيف وسكر وحليب وشاي مرورا برسوم المدارس اليومية، و(حق المواصلات) من وإلى مكان العمل، والأبناء من وإلى الجامعات، مع الوضع في الإعتبار اننا لم ندرج (حق الإيجار) ولا العلاج، ولا المساهمات الإجتماعية في الافراح والاتراح.

ذات الأمر الذي رفضناه مع حكومة البشير، يتكرر حاليا، وبالكربون.
هاهي غربة جديدة عن هموم المواطن يعيشها وزراء ومسؤولي الحكومة الإنتقالية ايضا، ولعل أبلغ دليل على ذلك إستمرار أزمات السودان المفتعلة والحقيقية، أزمات في المواصلات، أزمة في ألاسعار، أزمة في العلاج، ازمات في الطرق، أزمات لا حصر لها رغم إستلام حكومة حمدوك لمهامها قبل أكثر من شهر، نعم هنالك بعض الإستثناءات في وزارة او إثنتين ولكنها لا تعتبر إنجازات بالمعنى المطلوب ولا تلبي طموحات الشارع.

المواطن في ظل الجوع والشلهتة اليومية لم يعد قادرا على هضم تصريحات قحت، ولا قادر على إستيعاب مفردات الساسة الفخيمة ووعودهم البراقة، فمواطن عهد الإنقاذ هو نفسه مواطن قحت اليوم، مواطن كل همه كيف يوفر (لقمة اليوم)، وكيف يصل مقر عمله وكيف يعود منه، لا يهم إن كان بطائرة أو (بكسي دعم سريع)، لم يعد يهمه ولا يعنيه إن كان يحكمه حمدوك أو حميدتي، المهم ان تتوفر له أبسط حقوقه في المأكل والمشرب والمسكن، والعلاج، وهذا لعمري بؤس ما بعده بؤس، نعم الثورة قامت لأجل التغيير، ولا زال المواطن ينتظر التغيير الذي يحلم به في عيش هانئ وحياة كريمة اسوة ببقية الشعوب، ولكن إن تأخر التغيير أكثر من ذلك، فتلك هي الطامة الكبرى، سيجد حينها السيد حمدوك نفسه وبقية وزرائه في مفترق طرق، ولن تجدي بعدها الترقيعات ولا الطبطبة، ولا المزايدة بدماء الشهداء كما يفعل بعضهم الآن.

الحكومة التي يحلم بها المواطن ليست في وقوف الوزير او المسؤول في صف الجوازات أسوة ببقية المواطنين ولا في ركوب الطائرات على الدرجة الاقتصادية بدلا عن درجة رجال الأعمال، ولا في مرتب بسيط وبدون مخصصات.
ما يطلبه المواطن الآن وفورا معالجة (بعض) المشكلات العصية التي يعاني منها يوميا، ولو كانت حلول بسيطة، ولتكن البداية بمعالجة فورية لأزمة المواصلات، وليت مجلس الوزراء يصدر قراره بمنح وزرائه إجازة لمدة ثلاثة أيام فقط من ركوب فارهات الحكومة وان يتجهوا لوزاراتهم وإدارة شئونهم خلال هذه المدة (بالمواصلات)، وأن يقفوا في صفوف الرغيف وان يقوموا بجولة في الأسواق وعمل مسح كامل لحقيقة الأسعار، على أن يتم ذلك بهدوء وبشكل حقيقي بعيدا عن هوس الاستهداف ونظرية المؤامرة تجاه المسئولين، فهذه التجربة وحدها كفيلة بإعادة مجلس الوزراء النظر في سياساته حول معاش الناس، وحتما ستكون القرارات سريعة وفورية ولمصلحة المواطن بلا شك، نعم ستتعطل معها الكثير من مصالح الدولة ولكنها (عطلة) مؤقتة وبفائدة.

على النخب الحاكمة أن تعي حجم رسالتها تجاه المواطن، وأن تعلم ان السواد الاعظم من المواطنين لا يهمه ان سافر حمدوك والبرهان لطلب الدعم من دول ساهمت بشكل مباشر في سفك دماء الشهداء، ولا يهمه إشتباك عبدالحي يوسف مع ولاء البوشي، ولا يعلم اسماء أعضاء حكومة قحت ولا اسماء زعماء الاحزاب، مواطن يبحث فقط عن طعام يسد به رمقه، ودابة تحمله لمنزله، ولا يهم بعدها ان كان السودان محكوم بدولة مدنية او عسكرية او حتى محتل اجنبيا، على النخب السياسية ان تراجع خطابها السياسي الموجه للمواطن بما يتوافق وإحتياجاته وأساسيات حياته، بعدها يمكن ان يستوعب وببساطة معنى (حكومة الحكم المدني) .

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.