زهير السراج : لإحياء الذاكرة الوطنية !

* تعليقا على اقتراحي بإقامة نصب تذكاري لشهداء الأنظمة الدكتاتورية، وصلتني رسالة أعتز بها جدا من البروفيسور (عطا البطحانى) أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، تحت عنوان (لإحياء الذكرة الوطنية: متحف ونصب تذكاري للشهداء)، تحمل الكثير من الافكار الجميلة، وعندما يتحدث استاذنا الجليل يجب أن يستمع الجميع، فله أجزل الشكر، واعتذر عن اختصار العنوان، والفرصة مفتوحة لكل من يريد الإضافة والتعليق.

 

* أشيد بما كتبت وتجدني مسانداً لاقتراحكم “اِقامة نصب تذكاري للشهداء في مكان مناسب يحمل اسماءهم وصورهم …” الى اخر ما جاء عمودكم المقروء. وأود، إن سمحت لي، تعديل المقترح بما يستوعب اقتراحكم مع التوسع فيه للمناداة بإقامة متحف وطني يضم ضمن ما يضم نصباً تذكارياً للشهداء في مكان مناسب يحمل اسماءهم وصورهم، ويحمل ايضاً بشكل رمزي (آليات ووسائل التعذيب وبيوت الاشباح) بما اشتملت عليه من مواقع واشكال التعذيب المتعددة – وسيساعد التشكيليون برسم جداريات او مجسمات لذلك، ولابد ان يحتل الاعتصام وما جرى في فض الاعتصام موقعا مركزيا في هذا المتحف. اقول ذلك ونلمس يوميا سعى انصار النظام السابق لطمس الذاكرة – ذاكرة الثلاثين عاما الاخيرة كأن شيئا لم يحدث.

 

* هذا المتحف له قيمة وطنية، وتربوية، سياسية، وتاريخية: وطنيا سيساهم في ارساء قيمة التسامح (قد نغفر ولكننا لن ننسى)، وتربويا يعمل على اِحياء الذاكرة وتربية الاجيال القادمة على قيم الوطنية والتمسك بالحقوق، وللتمسك بحريتها التي دفع الشهداء ثمنها غاليا بأرواحهم، وسياسياً يقف شاهدا على ما جرى خلال الثلاثين عما للإنقاذ، وتاريخيا هو عمل توثيقي (living history) لأحداث التاريخ والواقع الماثل.

 

* بالطبع سينبري لك من يقول لماذا نقف عند شهداء ديسمبر 2018، لماذا لا نرجع لكل الشهداء منذ يونيو1989، او لكل ضحايا الحرب الاهلية في الجنوب، جبال النوبة، النيل الازرق، دارفور وشرق السودان. وقد تسمع من يقول لماذا الانقاذ وحدها، لماذا لا نرجع لفترة نظام مايو(ضرب الجزيرة ابا، بيت الضيافة، اِعدامات الشجرة)، او عنبر جودة 1954، وبنفس المنطق لماذا لا نرجع لثورة 1924، والمهدية، بل وحتى تجارة الرقيق، و”نفت” المسكوت عنه. لهذه الدعوات اكثر من جانب، منها جانب الدعوة لكتابة التاريخ وهذا مفهوم، ولكن في احدى جوانبها (كما جاء اعلاه) انها قد تعمل على تغبيش الوعى وطمس الذاكرة – ذاكرة الثلاثين عاما الاخيرة (1989-2019) وهى بحساب مفهوم النسبية للزمن تتجاوز المائة عاما واكثر.

 

* كل ذلك مفهوم في سياق مواجهة الذات – مواجهة الامة لذاتها وتاريخها وربما فتح الجراحات وتنظيفها ومعالجتها تماما في هذا المنعطف التاريخي الهام حتى لا نرجع مرة أخرى لاجترار نفس الحديث والجدل الذى دار ايام جلسات المائدة المستديرة. صحيح ان هذا يقع ضمن دائرة كتابة التاريخ (وله مناهجه وادواته) وهناك ادبيات متوفرة. لكن المقترح هنا هو أن هذه المراحل التاريخية التي اشرت اليها يمكن تمثيلها رمزيا في المتحف المعنى بما يؤسس للذاكرة الوطنية، مع التركيز على ما جرى من تعذيب واهدار واِمتهان كرامة البشر، كل ذلك بغرض التأسيس لعهد جديد يحفظ للمواطن السوداني عزته وكرامته.

 

* سبق لي ان اقترحت ذلك في ورشة نظمها مركز الايام للتنمية والدراسات الثقافية، وندوة نظمها المركز الإقليمي لتنمية وتدريب المجتمع المدني، وقدمت المقترح لهيئة محامى دارفور، وقد وعد الاستاذ (الصادق حسن على) باللقاء لمتابعة هذا الموضوع. يركز انصار النظام السابق على تغبيش الوعى وطمس الذاكرة – ذاكرة الثلاثين عاما الاخيرة (1989-2019) وهى بحساب مفهوم النسبية للزمن تتجاوز المائة عاما واكثر أخذت البلاد في مسيرة سارت عكس حركة التاريخ!

 

* للحديث جوانب كثيرة – وقد قصدت في هذه العجالة ان يتبنى قلمك الدفع في اتجاه التذكار والمتحف للشهداء، خاصة و الحديث يجرى حاليا حول السلام الدائم ومطلوبات، وواحدة من مطلوباته تصحيح قاعدة بيانات الذاكرة الوطنية، خاصة البيانات التي لم تجف دمائها بعد.

مع كل التقدير،
عطا الحسن البطحانى
جامعة الخرطوم

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.