ناهد قرناص : جمانيش وابي احمد ….ونوبل للسلام

جمانيش كانت جارتي وزميلتي في دراسة الدكتوراة ..قدمت من اثيوبيا ..واتيت من السودان لتجمعنا الاقدار في المانيا …اقسى شروط المنحة الألمانية كانت في الزامنا بتعلم اللغة الالمانية في البداية ومن ثم السماح لنا باستقدام الأسرة ..ظروفنا المتشابهة جعلتنا اكثر من صديقتين ..ادمنت معي الشاي باللبن ..واحببت معها اكل (الزغني ) ..كانت مسيحية ملتزمة جدا .تصوم السبت والأربعاء وفي هذين اليومين كانت لا تاكل اللحوم ولا تشرب الحليب ..وكنت اشاركها الأيام النباتية بطيب خاطر ..ومنها اكتسبت كم وصفة للطبخ بدون لحم ولا دهون ..وكانت في المقابل تحرص على تتبع اصل اللحوم وتقطع مسافة طويلة لشراء لحم حلال من محلات الاتراك لاجل خاطري ..ادهشتني بسماعها للأغاني السودانية ومعرفتها لأغلب الفنانين السودانيين ..واحسست بالخجل بأني لا اعرف الكثير عن اثيوبيا واتعامل ببعض من التعالي على اولئك الذين اتت بهم اقدارهم الى العمل في السودان..الحمدلله الذي عافاني من تلك الأفكار الغريبة .

جمانيش فتحت لي نافذة على بلادها ..شاهدت عبرها اثيوبيا المثقفة الواعية ..المتواضعة بالرغم من حضارتها وتاريخها القديم ..اثيوبيا التي تواكب العالم وتحافظ على تقويم منفصل …كانت من الأشياء التي ادهشتني فعلا هو التقويم الأثيوبي ذو الأشهر ال13 في العام ..وساعات اليوم التي تبدأ بالساعة الواحدة (الساعة 6 صباحا) ..اما السنوات فهم الان في العام 2011 ..رغم هذا الاختلاف في الزمن ..اثيوبيا اكثر مواكبة وتطورا من بلاد كثيرة حاول فيها البعض ان يقدم الساعة وفشل ..فأعادها الى مكانها بعد ان عرف ان التحضر سلوك وليس توقيت ..لكن تلك قصة اخرى.

عندما أعلن عن فوز ابي احمد بجائزة نوبل للسلام ..تذكرت جمانيش صديقتي ..تذكرتها وهي تهتم بكل تفاصيل مجموعتنا ونحن من جنسيات مختلفة ..ومن قارات متعددة ..تذكرتها وهي تزين شقتها للاحتفال بعيد ميلاد (ايميليا ) من الأرجنتين ..وهي تحرص على اغلاق صوت التلفزيون لان (ناهد تصلي ) ..تذكرتها وهي تنصت باستمتاع لأغاني (عقد الجلاد ) ..وعندما سألتها هل تفهم شيئا ..هزت رأسها بالنفي وقالت (الموسيقى هي ما تحرك قلبي ) ..فرحة الشعب السوداني بفوز ابي احمد نبهتني الى هذه الروابط غير المرئية في علاقتنا بالشعب الأثيوبي ..والحقيقة ان الثورة جعلتنا نعرف ان افريقيا هي امنا التي يؤلمها حزننا..حينها تساءلت ..من اين اتى صراع الهوية في النفس السودانية ؟ ولماذا لا يمكن بكل بساطة ان نكون أفارقة ..ونتحدث اللغة العربية ؟ اين تكمن المشكلة ؟ لماذا تعودنا الرؤية في اتجاه واحد ونسينا ان هناك اكثر من زاوية للنظر ؟

الصديق الذي يكون معك وقت الضيق ..هو الصديق حقا ..وقد كانت اثيوبيا نعم الاخ والجار والصديق ..فوز ابي احمد كان فوزا لنا جميعا ..وللقارة الافريقية بالأخص ..وعبر أبي احمد اخصها بالتحية ..رفيقة الدرب والسلاح والغربة ..صديقة الأيام الباردة والموحشة والليالي الطويلة المظلمة ..جمانيش هايلي ..عله يجدك المنشور بخير .

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.