زهير السراج :مدير المناهج !

* من يشنون حملة على تعيين الدكتور (عمر القراى) في وظيفة (مدير المناهج) باعتبار انه جمهوري الفكر، عليهم ان يعرفوا ان دولتنا الجديدة لم تعد تعرف التمييز بين المواطنين على اساس الدين او المعتقد او الفكر او أي شيء اخر، ولا يمكن حرمان أي مواطن من الحصول على وظيفة حكومية او أي حق اخر لأنه جمهوري او وجودي او ديكارتي او اية صفة اخرى!

 

* وفى رأيي الشخصي، فإن تعيينه كان أفضل وأبلغ رد من الحكومة على أصحاب الفكر التكفيري المتطرف الذين اعتقدوا ان حملتهم على وزيرة الشباب والحكومة برفع شعارات دينية والمتاجرة بالدين ــ كما ظلوا يفعلون طيلة الثلاثين عاما الماضية ــ ستخيف الناس من المضي قدما في تجديد الدولة وإعادة بنائها على اسس جديدة تقوم على احترام حقوق الانسان وإرساء مبدأ المواطنة كأساس للحقوق، وعليهم ان يدركوا ان المتاجرة بالدين الحنيف لم تعد تجذب أحدا أو تخدع أحدا، ليس في السودان فحسب، وانما في كل العالم الإسلامي، وقريبا جدا سيشهدون بأعينهم انزواء تجارتهم البائرة، وسيادة تعاليم الدين الحنيف السمحة، وحرية الدين والمعتقد والفكر واحترام حقوق الانسان، بعيدا عن الغلو والتطرف والتكسب. هذا من جانب.

 

* من جانب آخر، فإن الدكتور(القراى) صاحب كفاءة وخبرة، ومفكر جليل واسع العقل والادراك، كما ان تخصصه ومؤهلاته وخبراته تتفق مع المنصب الذى اختير له، ولا يستطيع أحد أن يغالط أو يجادل في ذلك، واتوقع منه تطهير وتعديل وتطوير المناهج، بما يقود الى تطور حقيقي للفرد والمجتمع السوداني في المستقبل.

 

* لقد عبث النظام البائد بالمناهج، كما عبث بأي شيء آخر، وسخّر الدين الحنيف لخدمة مصالحه السياسية الضيقة على حساب القيم الدينية والاخلاقية والوطنية والتقاليد السودانية الجميلة، وإزكاء الصراعات وبث الفرقة والشتات بين ابناء الوطن الواحد، ولقد حان الوقت لوضع حد لذلك العبث بتطهير وتطوير المناهج على اساس القيم الصحيحة والمفاهيم الحديثة التي تقود الى سمو المجتمع وتقدمه !

 

* أسمحوا لي أن احكى لكم قصة غريبة وأعطيكم نموذجا واحدا لعبث النظام البائد بالدين الحنيف وبالمناهج والطفولة البريئة، وعقليته الخربة التي كان يدير بها الدولة والمؤسسات التعليمية والمجتمع، بما ينسف مفهوم واهداف التربية والتعليم، بل واهداف الدين السامية، وصناعة أجيال واعية وقادرة على تهذيب وتطوير وقيادة مجتمعاتها في المستقبل.

 

* لاحظت في سابق السنوات ان طفلي الصغير الذى يدرس في السنة الثانية في مرحلة الاساس، يبكى بشدة مبالغ فيها (بحرقة)، كلما نادته (أُمه) لحفظ السور القرآنية، وكنا قد اتفقنا على ان تتولى هي بعض المواد واتولى أنا البقية، وعندما استفسرت منها اكتشفت ان السبب هو العدد الكبير للسور المطلوب دراستها وحفظها في وقت قصير، وصعوبتها الشديدة!

* اعتقدتُ، بسبب انتشار الهوس الديني آنذاك (في منتصف التسعينيات)، أنه اجتهاد من معلم مادة التربية الاسلامية، فذهبت الى المدرسة لمقابلة المدير الذى تربطني به علاقة صداقة، ففاجأني بأن عدد السور المقررة على تلاميذ السنة الثانية (44 ) سورة، أي ثلث عدد سور (القرآن الكريم) مطلوب دراستها وحفظها في عام واحد، من بينها سور صعبة جدا مثل سورة (الطلاق)، أما المفاجأة الكبرى فكانت حديثه لي، بأن بعض كبار الاساتذة كانوا قد اثاروا الموضوع في اجتماع مع وزير التربية والتعليم، فأجابهم بأن الفئة المستهدفة بالدراسة والحفظ هي (اولياء الأمور) لإزالة جاهليتهم، وليس التلاميذ، ولقد تعمدت الدولة وضع اكبر عدد من السور في الثلاث سنوات الاولى من مرحلة الاساس، لأنها السنوات التي يقوم فيها الآباء والأمهات بتحفيظ أطفالهم قبل ان يتعلموا القراءة بشكل جيد .. تخيلوا هذا الفهم الغريب لمفهوم التربية والتعليم والمناهج الدراسية لدى عباقرة النظام البائد!

 

* تنفير الاطفال من الدين ومن المدرسة ومن التعليم، من اجل إزالة جاهلية آبائهم وأمهاتهم على يد الرسول الجديد الذى نزل (لينقذ) اهل السودان من الجاهلية والكفر وعبادة الاصنام، بينما يتاجر هو بالدين ويعبث به كما يشاء .. كانت تلك هي (مناهج) النظام البائد!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.