شاب ثلاثينى يخرج من رجليه الدود ويتسلخ لحمه
قصة انسانية تحمل كافة الوان المعاناة من جهل وفقر ومرض داخل بيت واحد شمال قطاع غزة ، ويتهاوى بيت كامل امام مرض الاب رقم صغر سنة ، بانتظار لحظة فرج تنقل حياتهم للأفضل .
بتلك العينين الدامعتين أخبرني بأن من لا يملك المال لا يملك الحياة وأن الفقر حقاً قد بدأ يأكل من جسده شيئاً دون رحمة.
وان تلك الوجوه العابرة التي مرت عليه دون سؤال لم تعطه سوى الشفقة، وأن جوابه دوماً عن سؤال الحال كان حمداً كثيراً ومن ثم ارتحال.. كيف له أن ينظر إلى وجوه أطفاله العابسة وقد أفقرتها الحياة معالم السعادة
هذا هو حال المواطن يوسف شاهين ” 30 عاما ” اب لخمسة اطفال ، الذي لطالما حلم أن يمشي على قدميه يوماً وحلم أن يسعد أطفاله ولو بالقليل ولكن الظروف فرضت عله الكثير بعكس ما كان يحلم.
شيب الهم كان واضحاً على ملامح وجهه فهو يبلغ من العمر ثلاثون عاماً ويبدو عليه الستين ، أطفاله تركوا مدارسهم لعدم وجود معيل وبيته أوشك عن السقوط من حافة الطريق والتراب قد ملأ المكان وأطفاله يأكلون فتات الخبز القديم وزوجته تنظر اليهم ولا يوجد بيدها حيلة وأمه تبكي عليه وتشعر بأنها ستفقده ولو بعد حين.
كيف يكون للمرض قلب وهو ينهش في جسده الرقيق وحياته تسودها الظلام دون رفيق .
بدأ المرض ينسج قصته مع يوسف قبل خمسة عشر عاما حينما كان في المرحلة الاعدادية حيث اصيب بجلطة في قدميه ، ثم بدأ جلده يتنسخ عن ساقيه حتى ظهر لحم رجليه ، وبدأ الجلد يموت تلقائيا ثم يخرج الدود من كلتا رجليه .
وبدأ تتسع رقعة الالم حتى حفر الدود في رجليه حفرة كبيرة ، وبدأ يتلذذ على لحمة الميت ليتساقط امام عينيه كل يوم ، منتظرا الفرج من رب العالمين دون معين له .
ذهب منذ بداية مرضه الى المستشفيات لكن دون جدوى ، ولم يتمكن الاطباء من ايجاد حل لمرضه ، وفى كل مرة يشاهدونه يتحدثون فيما بينهم باللغة الانجليزية ، ويخرج بدون علاج ولو مؤقت .
زار عدة مرات الاطباء في مراكزهم الخاصة وابلغوه بضرورة المحافظة على رجله من خلال لفها بمشدات وتعقيمها بغيارات خاصة ، ويكلفه هذا العلاج يوميا ما يقارب 50 شيكل ولم يتمكن من شرائه حتى ليوم واحد نظرا لحالة الفقر الشديد التي يمر بها .
وابلغه الاطباء في المستشفيات ان حله الوحيد هو بتر قدميه ، حتى يتم حصر المرض وابلغوه ان هذا المرض يصيب شخص واحد من بين مليون حول العالم ، وهو يحمله نيابة عن سكان قطاع غزة.
ويتناسخ اللحم من رجليه منذ 15 عاما ، وبألم وحسرة ينظر الى نفسه وتتهاوى دموعه على عينيه على ما ألت اليه ظروف حياته ، التي بدأها بالفقر وتستمر بالمرض وقد تختم بأسوأ من ذلك .
ولم يتمكن يوسف خلال السنوات الماضية من السير على قدميه ، ويقطن طوال يومه داخل منزله الضيق بين اطفاله وقليلا ما يجلس على باب منزله برفقة اطفاله .
ويسكن هو واطفاله في بيت صغير يتكون من غرفة واحدة ومطبخ ، ولا يحتوى المنزل على أي اجهزة كهربائية او معدات يتطلب وجودها داخل المنازل الفلسطينية .
ويبحث اطفاله طوال وجودنا داخل منزله على بقايا رغيف خبز ليسد رمقهم الذى ادماه الجوع واشبعه الفقر ، في مطبخ لا يتواجد فيه سوى ثلاجة تبرع فيها احد المحسنين قبل فترة طويلة .
وانسحب ابنائه الخمسة من المدارس نتيجة عدم قدرته على تلبية مصروفهم اليومي في المدرسة والذى يقدر بخمسة شواكل يوميا ، مبلغ قليل ولكن صدمة حياته ومرضه كانا اكبر من ذلك.
ولا يتمكن من السير في الشارع نتيجة عدم قدرته على المشي بشكل طبيعي ، ونظرا للرائحة الكريهة التي تخرج من رجليه نتيجة التعفن وخروج الدود.
يأكل الدود من لحمه اثر إصابته بالجلطة بسبب عدم توفر الرعاية الطبية اللازمة ، حيث بدأ يراجع المستشفيات المختصة وقام بطرده الاطباء عدة مرات .
“يوسف ” يعاني من الدود وأجبره على البقاء في الفراش، امه عجزت بسبب الفقر عن توفير الرعاية الطبية له، ولم تستطع سوى النظر إليه بعيون باكية، ويد تحاول حمايته من ذباب استلذ جراحه العميقة ، التي إصابته بسبب مرضه، وبسبب قلوب قاسية أقفلت بصيرتها عن معاناته وعين غضت الطرف عن جراحه دون أن تبالي بما يصيبه .
خمسة عشر عاما قضاها “يوسف ” دون أن يبارح مكانه، خمسة عشر عاما نهش فيها المرض والفقر لحمه وعظمه، حتى أصبح مثالا صارخا على الفقر والظلم والقهر.
هذه المأساة لم تأت من بلاد تعيش المجاعة أو قصمت ظهرها حرب ضارية، بل هي بيننا وفي وطننا.
هذا العفن الذي وجد من جسم “يوسف ” بيئة تصلح لمعيشته وهذه التسلخات التي وصلت إلى عظامه، نتجت عن التهاب جلدي تبعه تقرح ثم تعفن جراحه، حتى يثبت لنا أن الديدان يمكن ان تطال الأجساد المريضة التي تخلى عنها أصحاب القلوب المتحجرة من المسؤولين الذين أهملوا حالة يوسف .
كل ركن من المكان كان يئن من مرضه وألمه كان يشكو من فقره ومن ضياع مستقبل أولاده و ما ضاع من مستقبله كانت الجدران تروي الحكاية بدلاً منه ، قلب تحطم منذ أصابه المرض ولم يكن يدري ماذا يفعل بعدما نال الفقر منه ماذا يفعل بعدما سيطر المرض عليه ، يحاول أن ينهي على حياته بأي لحظة دون سابق إنذار.
ويناشد يوسف الرئيس محمود عباس واصحاب القلوب الرحيمة والمسؤولين على محاولة انقاذ حياته واسرته قبل الضياع ، خاصة ان المرض يستفحل في رجليه ويتوسع اكثر فأكثر كل يوم .
وبدموع القهر التي خرجت منه والتي هز صداها من كان داخل المنزل قال ” ارحمونى عاملوني كمواطن فلسطيني انقذوني انا وأطفالي ”
دنيا الوطن